بكركي تضغط لحلّ قبل الشتاء...والحِكمة لا تعني الإستسلام

ما زالت الأنظار شاخصة إلى بشرّي لمراقبة تطوّر الأوضاع هناك. فالأجواء المشحونة تُنذر بالأسوأ ما لم تقم الدولة بواجباتها وتُلقي القبض على القَتَلَة. وإذا كان تحقيق العدالة يضبط الوضع الأمني، فالأهم إيجاد حلّ جذري للمشكلة الحدوديّة وعدم السماح بإشعال حروب بين أهل الوطن الواحد.

قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كلمته خلال مراسم تشييع المغدورَين هيثم ومالك طوق، والرسالة الأهم التي أراد إيصالها تتلخّص بعبارة «إننا نعرف حدودنا»، فالبعض قرأها بشكل معكوس، لكن حقيقة كلام البطريرك تدلّ على ملكيّة أهالي بشرّي للقرنة السوداء. تنتظر بكركي مثل بقية المرجعيات جلاء الحقيقة وإلقاء القبض على القَتَلَة، مع أنّ الراعي أكد أنّ القاتل معروف، لكن لا تريد البطريركية المارونية استباق نتائج التحقيق الذي يقوم به الجيش اللبناني.

ومن جهة ثانية، ومنذ وقوع الحادث الأليم كان البطريرك حاضراً في قلب الحدث، فعلى الأرض حاول مع المرجعيات البشرانية ضبط الوضع وتهدئة النفوس لئلا تنجرّ المنطقة إلى أعمال عنف طائفية. وتنبّه إلى السيناريو الذي قد يُحاك بعد حادثة الغدر، فهناك من قد يركب الموجة، ويدخل «الطابور الخامس»، ويُدخل معه منطقة الشمال في دوامة صراع ماروني - سنّي غير موجود أصلاً، ولا يعرف أحد كيف ينتهي. وعليه كان رهان البطريرك، فكثّف اتّصالاته بقيادة الجيش من أجل معالجة الوضع وإلقاء القبض على المجرمين.

هذا على الصعيد الداخلي البشراني والمسيحي، أما وطنياً، فكان التنسيق على أكمله مع دار الفتوى والمشايخ والشخصيات والقيادات السنّية، ما ساهم في التخفيف من حدّة التوتر، خصوصاً مع إصرار فاعليات طرابلس والضنية وعكار على احتواء الموقف والتجاوب السريع مع دعوات لجم الفتنة. وتضع بكركي خطة تحرّك مقبلة، تتمثّل بالضغط على الدولة بجميع أجهزتها، خصوصاً القضائية من أجل إنهاء الإشكال العقاري وإعادة الحق إلى أصحابه وِفق الطُرق القانونية، وتتّهم القضاء بالتخاذل عن القيام بأدنى واجباته. وتؤكد عدم سكوتها عن المماطلة في حلّ ملف عالق كهذا، وتُوجّه الإتهام إلى القضاء نتيجة التدخّلات السياسية من هنا وهناك. وتعتبر أنّ القضاء يجب أن يقول كلمة الحقّ، خصوصاً مع وجود أدلّة ومستندات تثبّت الملكيات.

ويجري الراعي سلسلة إتصالات بعيداً عن الأضواء لعدم «التشويش»على تحرّكه، وتُشدّد البطريركية على التعامل بإيجابية مع هذا الملف، وتعتبر إعلان النية بقبول أي حلّ قضائي من جهة مرجعيات الضنية وطرابلس هو بداية لإغلاق هذا الجرح النازف ومنع تطوّر نار الفتنة. تؤكّد بكركي أنّ إصدار أحكام قضائية في النزاعات العقارية لا يحتاج إلى قرار سياسي، فالتدخلات السياسية تُعرقل عمل القضاء، في حين يجب حصول قرار وطني كبير بحلّ كل النزاعات العقارية وإعادة الأراضي المسلوبة إلى أهلها، وإلا قد تتكرّر حادثة القرنة السوداء في أي منطقة أو بلدة.

تفصل بكركي بين الحكمة وتحكيم العقل ومنع الإنجرار إلى الفتنة، وبين الحق وإعادته إلى أصحابه ومواجهة منطق السلاح والتسلّط واستخدام القوّة، وبالتالي تجزم البطريركية، كما أهالي بشرّي، بعدم تخلّيها عن الأرض التي تعني الوجود، وهي تترك للأجهزة القضائية الحكم في هذا الملف.

رُسّمت حدود القرنة السوداء بدماء هيثم ومالك طوق، وباتا في نظر مجتمعهما شهيدَي الدفاع عن الحقّ والوجود، وبالتالي فرض هذا الأمر على البطريركية التحرّك سريعاً في اتجاه قائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير العدل هنري خوري وبقية المسؤولين لكي تتم عملية حلّ النزاع قبل الشتاء، لأنّ العوامل الطبيعية تمنع العمل في تلك المنطقة في الشتاء، وإذا أتى الربيع واندلع النزاع على الماء ولم تُحلّ القضية، فعندها لا أحد يعلم كيف ستتّجه الأمور، وأي «مجزرة» قد تحصل.