بين التردّد والقرار… خيار الدّولة أو الانتحار

كتب رئيس المجلس التربوي في حزب الكتائب اللبنانية د. شليطا بوطانيوس في جريدة الحر، مقالا بعنوان: "بين التردّد والقرار… خيار الدّولة أو الانتحار"، جاء فيه:

بعد زيارة برّاك إلى بيروت، خرج الردّ الرسمي إلى العلن عبر الشاشات والتحليلات، حاملاً تلميحاتٍ أوضح من أن تُخفى، وصمتاً رسميّاً لبنانيّاً أقرب إلى التساهل. ففي وجه المقترح الأميركي، بات السكوت هروباً من اتخاذ القرار، وأضحى التساهل تردّداً غير مقبول.

المطلوب اليوم مواقف واضحة، لا مواقف رماديّة… المطلوب قرار.

قرارٌ وطنيّ، جريء، وشجاع، يُعبّر بوضوح عن سيادة لبنان، ويرفض أي سلاح غير شرعيّ خارج كنف الدولة اللبنانيّة، ويضع آليّة واضحة لنزع هذا السلاح وحصره بيد القوى العسكريّة الشرعيّة اللبنانيّة، من دون تأخير أو مواربة.

فإلى متى سيبقى لبنان رهينة التردّد؟ متى يُتّخذ القرار؟ ومتى نعود إلى بناء الدولة… قبل أن يفوت الأوان؟

رسالة برّاك إلى اللبنانيّين، من أعلى الهرم إلى أسفله، لا يمكن تجاهلها. قالها بوضوح، من دون مواربة أو مجاملة: “إن أردتم التغيير، فأنتم من يجب أن يُحدثه، ونحن سنكون إلى جانبكم وندعمكم. أمّا إذا لم ترغبوا في التغيير، فلا مشكلة. فالمنطقة بأسرها تسير بسرعة فائقة، وأنتم ستكونون متخلّفين للأسف… أنتم لؤلؤة المتوسّط. فقبل أي أحد، كان العالم ينظر إلى لبنان ويقول: هذا هو الجسر بين الشرق والغرب. هذا هو الشعب الأكثر روعة وإصراراً في العالم… وما نقوله (باسم الإدارة الأميركيّة) هو أننا مستعدّون للمساعدة إذا أردتم ذلك”.

كلام واضح وقويّ. فهل نسمع؟ هل نُدرك خطورة اللحظة؟ وهل يُدرك أهل القرار أن لبنان لم يعُد يحتمل المزيد من التردّد؟

زيارة برّاك إلى بيروت أظهرت، للبنانيين قبل غيرهم، أن الطريق نحو التغيير يبدأ من الداخل. وإن لم يلتقط اللبنانيّون هذه اللحظة، ستضيع… فلحظة خروج السوريين من لبنان عام 2005 كانت تبدو حلماً صعب المنال، لكنّها تحقّقت بفضل قرار لبنانيّ، تَقاطَع مع ظرف دوليّ استثنائيّ أَحسن اللبنانيّون التقاطه.

فهل سيلتقط اللبنانيّون اليوم فرصة الدعم الأميركي والعربي والدولي لإقامة دولة لبنانيّة حقيقيّة؟

قالها السيّد المسيح: “إن لم يبنِ الربّ البيت، فعبثًا يتعب البنّاؤون.”

ونحن نقول: لن يبني أحد لنا الدولة إن لم نكن نحن البنّائين. لن يحترم أحد سيادتنا إن لم نحترمها نحن، ونحصر السلاح والقرار في يد المؤسّسات الشرعيّة… والوقت ليس في صالحنا.

لبنان لا يزال لؤلؤة المتوسّط، نعم، لكن لؤلؤته باتت مهدّدة بالضياع.
فإلى متى نبقى رهائن المراوغة؟ ومتى ننتقل من الخطاب إلى القرار؟

الجواب لم يعد خيارًا… بل أصبح واجبًا وطنيًّا. إمّا الدولة… وإمّا لا دولة!

بعد اتفاق الطائف عام 1990، سلّمت معظم الأحزاب اللبنانيّة، وبالأخصّ المسيحيّة منها، سلاحها إلى الدولة، إيماناً منها بضرورة قيام مشروع الدولة ومؤسّساتها الشرعيّة. ولكن، للأسف، لم يسر الجميع على هذا الدرب. فبقي السلاح في أيدي بعض الأطراف، وتآكلت هيبة الدولة تدريجيّاً، حتى باتت عاجزة عن ضبط هذا السلاح الخارج عن شرعيّتها.

واليوم، نحن أمام لحظة حاسمة. اليوم، هو يوم القرار. لا مواربة بعد الآن. لا تسويات رماديّة، لا “أبو ملحم ولا إمّ ملحم”.

إمّا قيام دولة واحدة، بسلاح واحد، وجيش واحد، تفرض سيادتها وسلطتها وهيبتها على كامل الأراضي اللبنانيّة، وتحصر السلاح بيد الجيش اللبناني، ويقف الجميع خلف هذه الدولة والجيش… وإمّا دويلات ومربّعات أمنيّة مسلّحة، فلسطينيّة كانت أم لبنانيّة، أم غيرها.

لقد آن الأوان لقيام دولة لبنان، الدولة الحقيقيّة التي يحلم بها أبناؤها.

قالها رئيس حزب الكتائب، النائب سامي الجميّل، بوضوح: “على رئيسَي الجمهوريّة والحكومة أن يكونا حازمَين، دون تساهل.” فهل يكون رئيسا الجمهوريّة والحكومة على مستوى هذا التحدّي؟

لبنان لا يملك ترف الوقت. لقد حان وقت النهوض. حان وقت أن يقف لبنان، وأن يقف جميع اللبنانيين صفّاً واحداً خلف مشروع الدولة، بروح جديدة، وأمل جديد، وبغطاء خارجيّ داعم.

ولكن، قبل كلّ شيء، يجب أن تنزع كلّ الأطراف الإقليميّة يدها عن لبنان، ليأخذ استقلاله الحقيقي، ويصوغ مستقبله بحرّية.

لقد حان وقت القرار… لا للانتحار. لا مجال بعد اليوم للتبريرات، ولا متّسع للتردّدات. المطلوب قرار واضح، مسؤول، بحجم التحدّيات، يواجه الواقع بشجاعة، ويغتنم الفرص المتاحة لبناء الدولة التي طالما حلم بها اللبنانيّون.

فإلى أيّ لبنان نريد أن نمضي؟

الجواب ليس عند الخارج… بل عندنا.

حان الوقت لنحسم قرارنا… قبل أن يُحسم مصيرنا بقرارٍ من غيرنا.