المصدر: النهار
الاثنين 21 تموز 2025 07:17:10
إذا كان الوصول المبكر للموفد الأميركي توم برّاك ظهر أمس إلى بيروت أوحى لكثيرين أن تمضيته لنصف إجازة الأحد في أرض مسقطه الأصلي، ستساهم في تسهيل مهمته وتساعد لبنان تالياً على تجاوز مطبات دقيقة وخطيرة في التفاوض معه، فإن ذلك لم يحجب الدقة المتناهية للزيارة الثالثة التي يقوم بها برّاك للبنان ضمن مهمته المكوكية التي تتمثل أبرز أهدافها ببرمجة زمنية واضحة لنزع سلاح "حزب الله".
وصل برّاك ظهر الأحد إلى مطار رفيق الحريري الدولي ولم تكن على أجندته أي مواعيد لأي لقاءات رسمية أمس، على أن يجري لقاءاته اليوم مع الرؤساء الثلاثة، بدءاً برئيس الجمهورية العماد جوزف عون الذي سيسافر غداً إلى البحرين في إطار زياراته الرسمية على الدول العربية والخليجية، ثم يلتقي رئيس مجلس النواب نبيه بري وبعده رئيس الحكومة نواف سلام.
وبحسب المعلومات المتوافرة لـ"النهار" فإن فريق المستشارين للرؤساء الثلاثة أعدّ الصيغة النهائية للردّ الرئاسي الثلاثي الموحد على الردّ الذي كان أرسله برّاك إلى الرؤساء عبر السفارة الأميركية الأسبوع الماضي، وذلك بعد سلسلة من الاجتماعات التي عقدتها لجنة المستشارين، كما الاجتماعات الثنائية التي جمعت الرؤساء، وسيتسلم برّاك اليوم الردّ اللبناني على الردّ الأميركي من الرئيس جوزف عون، مع ترجيح أن يكون تلقى نواة حصيلتها قبل وصوله إلى بيروت على غرار الزيارة السابقة. وتؤكد معطيات لجنة الصياغة أنه تم التوصل إلى أجوبة على كل ما أوردته ورقة برّاك وهي لا شك تحمل اسئلة صعبة، لا سيما بعد كلام الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم الذي اختصر موقف الحزب بعدم استعداده لتسليم السلاح مع تكراره ثوابت الانسحاب من الجنوب ومنع الخروقات الإسرائيلية ووقف الاغتيالات. وقد اعتبر كلام قاسم الأخير بمثابة استباق خطير للردّ اللبناني بل تفخيخ لهذا الرد بما يوفر لإسرائيل والإدارة الأميركية ذرائع إضافية كبيرة للضغط ومحاصرة لبنان عشية وصول برّاك، وبما زاد التعقيدات التي تشوب المفاوضات التي سيجريها الرؤساء الثلاثة اليوم مع الموفد الأميركي.
وإذ لم يعرف بعد ما إذا كان الرؤساء الثلاثة قرروا إظهار التمايز والتباين النافر بين موقف لبنان الرسمي وموقف "حزب الله" من برمجة نزع السلاح، قالت المصادر القريبة من الجانب الرسمي أن الردّ اللبناني جاء بموافقة الرؤساء الثلاثة وأن لا تباينات في ما بينهم مع التشديد على انسحاب إسرائيل من كل النقاط والمساحات المحتلة، والتأكيد أيضاً على جملة من الضمانات تركز على إعمار الجنوب مع الاستعداد لترسيم الحدود مع سوريا من دون حسم ملكية مزارع شبعا المحتلة. ولن يغيب الردّ اللبناني في معرض ترتيب العلاقة مع سوريا بالعمل على وضع برنامج لعودة نازحيها إلى ديارهم. وفي موازاة الجواب الرسمي على برّاك، بدا لافتاً أن الرئيس بري كشف أنه سيكون له ردّ خاص على الموفد الأميركي من دون أن يكشف عما سيبلغه إياه. ولا تهدف هذه الخطوة إلى القفز فوق ما سيسمعه من الرئيسين عون ونواف سلام. ويتضمن الرد أيضاً استعداد الحكومة لتطبيق سلسلة من الإصلاحات المالية والاقتصادية.
وثمة مخاوف من رفع السقف الأميركي تجاه لبنان، إذ أن من المحتمل أن يعلن برّاك مواقف تحرج لبنان أمام التحديات التي يواجهها، إذ تتوقع مصادر ديبلوماسية أن تحمل مواقف برّاك هذه المرة، اشتراطات أميركية جديدة، قد تضع لبنان على مفترق طرق أمام ما تخطط له إسرائيل المدعومة أميركياً، وأيضاً أمام ما تطمح له السلطات السورية حول مسألة الحدود، وما يتعلق أيضاً بسلاح "حزب الله". وتشير المعطيات إلى أن عقدة ضمانات متبادلة ستبرز أكثر فأكثر وتتمثل في أن لبنان يطلب ضمانات أميركية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للنقاط الخمس ووقف الانتهاكات الإسرائيلية لوقف النار، فيما تشكّل الشروط الأميركية مطلباً حاسماً بضمانات من الدولة اللبنانية لنزع سلاح "حزب الله" ضمن مهلة محددة لا تراجع عنها هي نهاية السنة ولو على مراحل.
وفي انتظار ما ستتكشف عنه لقاءات برّاك في الساعات المقبلة، بدا من غير المستبعد أن تثار التطورات الأخيرة في سوريا ضمن هذه اللقاءات، نظراً إلى تاثيرها على الواقع اللبناني، علماً أن برّاك مكلّف بالملفين وسبق أن تحدث عن ترابطهما. واستمر الحدث السوري شاغلاً لجانب كبير من المشهد الداخلي أمس، حيث برز موقف لافت لمفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان خلال تلقيه اتصالاً من قائد الجيش العماد رودولف هيكل. وقد ثمّن دريان أداء الجيش في القيام بواجبه الوطني ومعالجة أي طارئ أمني في شتى أنحاء الوطن، وشدّد على أن "وحدة اللبنانيين ستبقى عصية في أي أزمة تستجد ومحصّنة بتماسكهم وتلاحمهم وستبقى هي الأساس لتفشيل وإسقاط كل من يحاول نشر الفتنة بشتى الطرق في لبنان". وأعلن أن "دار الفتوى لن تسمح بجر لبنان إلى أتون الفتن الطائفية والمذهبية البغيضة والمحرّمة شرعاً، وتحرص دائماً على الوحدة الوطنية اللبنانية والعمل على درء الفتنة بالتعاون والتضامن مع البطريركية المارونية والأرثوذكسية والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومشيخة العقل وبقية المراجع الدينية والسياسية لمنع حدوث أي خلل ليس في الحسبان".