تراجع وتيرة الهجرة غير الشرعية وأعداد النازحين: مسألة ظرفية أم دائمة؟

حجب العدوان الاسرائيلي على غزة الانظار عن قضية النزوح السوري وكذلك عن رحلات الهجرة البحرية غير الشرعية. فهل نجحت السلطات اللبنانية من خلال الاجراءات الامنية في منع النازحين من الاستمرار في التسلل الى اراضيه، أم ان ذلك دونه صعوبات؟ وكيف لنازح ان يقصد بلداً يشهد نزوحاً لأعداد من ابنائه بسبب الاعتداءات؟

بعد اقل من اسبوع على بدء العدوان الاسرائيلي على غزة اعلن الجيش اللبناني في بيان أن وحداته تمكنت في إطار متابعتها مهمات مكافحة تهريب الأشخاص والتسلل غير الشرعي، من إحباط محاولة تسلل لنحو 1500 سوري عبر الحدود. فهل تراجعت أعداد النازحين غير الشرعيين إلى لبنان أم ان الأنظار حرفت عنها؟

ذاك البيان يؤكد ان الجيش ومعه القوى الامنية المولجة مراقبة الحدود البرية سواء في الشمال أو في الشرق لم تتراجع عن اداء مهامها على رغم التطورات المفصلية التي كانت تشهدها الحدود الجنوبية مع اتساع دائرة الاعتداءات الاسرائيلية على البلدات الحدودية، ما أجبر آلاف المواطنين اللبنانيين على النزوح الموقت منها.

لكن السؤال اليوم وبعد اكثر من 7 اسابيع على بدء العدوان الاسرائيلي: هل لا تزال أعداد النازحين السوريين على حالها أم تراجعت؟

قد يكون مستغرباً انه في ظل نزوح آلاف الجنوبيين عن ديارهم الى مناطق اكثر أمناً، سواء الى المدن الساحلية او المناطق الجبلية وغيرها، فإن هناك من يريد الوصول الى الاراضي اللبنانية بغضّ النظر عن الاوضاع الامنية. وفي سياق متصل، لوحظ ان حركة النزوح التي شهدتها المناطق الحدودية لم يُسجل خلالها نزوح سوري لافت من القرى والبلدات الحدودية ما يثير الاستغراب لدى اكثر من جهة لبنانية عن جدية اسباب النزوح السوري الى لبنان طالما ان الاسباب المعلنة هي التذرع بالاوضاع الامنية في سوريا في حين انه في ظل الاعتداءات الاسرائيلية تبقى أعداد لا بأس بها من السوريين في لبنان وعندئذ تنتفي اسباب النزوح اليه من اصلها.

أما عن أعداد النازحين غير الشرعيين فتؤكد مصادر امنية انها تراجعت عن تلك الوتيرة التي وصلت الى ذروتها في شهري آب وايلول الفائتين عندما كان يصل ما يراوح بين 500 الى 1000 سوري يومياً.

لكن تلك الوتيرة المخيفة عادت لتتراجع مع تشديد الاجراءات الامنية في موازاة استنفار لبناني سياسي وصل الى ذروته، ولا سيما في الجلسة الوزارية التشاورية بشأن النزوح السوري (لم تنعقد جلسة الحكومة في 11 ايلول الفائت بسبب فقدان النصاب القانوني)، وحينذاك اطلق قائد الجيش العماد جوزف عون مواقف لافتة ابرزها ان النزوح السوري بات يشكل تهديداً وجودياً للبنان.

في تلك الفترة كان النازحون يدخلون عبر مجموعات تزيد أعدادها على 100 و150 شخصا، في ظل نشاط لافت لعصابات التهريب عبر الحدود الشمالية وكذلك في المناطق المتاخمة للحدود الشرقية.

اما حالياً فيؤكد مصدر امني أن أعداد النازحين غير الشرعيين تراجعت على نحو لافت، ولا سيما منذ منتصف الشهر الفائت في ظل اجراءات مشددة للجيش والقوى الامنية.

والسؤال: هل هذا يعني غيابا كاملا لموجات النزوح غير الشرعي؟

المتابعون ميدانياً للأوضاع الحدودية لا يجزمون بإمكان منع النزوح والتهريب، وخصوصاً في مناطق الحدود الشمالية بسبب الطبيعة الجغرافية المعقدة لتلك الحدود، ما يعني استحالة منع تهريب الاشخاص او تسللهم الى الداخل اللبناني، مع الاشارة الى الاساليب المبتكرة في التهريب ومنها مخابىء سرية داخل الحافلات او الشاحنات، ومع ذلك تمكن الجيش من اكتشاف اكثر من عملية تهريب.

بيد ان تلك الحالات المكتشفة هي قليلة، وبالتالي مجموع ما يتم توقيفهم ليس كبيراً، فهل هذا يعني ان عمليات التهريب والتسلل قد تراجعت أم ان التهريب لا يزال متواصلاً؟

يجيب المصدر الامني بوضوح: "القوى الامنية تقوم بواجباتها ضمن الامكانات المتاحة وبما تسمح به طبيعة المنطقة الجغرافية ومكوناتها الإجتماعية"، ويستعيد تلك العبارة من خلاصة الجولة التي نظمها الجيش للاعلاميين على الحدود الشمالية مطلع الشهر الفائت، وعليه فإن عمليات التسلل تبقى قائمة وإن بوتيرة أخف من السابق.

لم تعد اخبار مراكب الهجرة غير الشرعية تتصدر الواجهة ولا سيما مع تراجع لافت في أعداد المراكب التي عادة ما كانت تبحر من الشواطىء اللبنانية، وخصوصاً من منطقة الشمال. فهل تم الحدّ نهائياً من تلك الظاهرة التي غالباً ما كانت تنتهي بمأساة؟

يلخص مصدر امني طبيعة الهجرة البحرية غير الشرعية بأنها "حذرة ومرتبطة برصد القوى الامنية وكذلك بعوامل الطقس".

وعليه لا يمكن القول ان الهجرة غير الشرعية عبر البحر قد توقفت بشكل نهائي. والدليل ان آخر مركب انقذته البحرية التابعة للجيش اللبناني كان قبل 24 ساعة من العدوان على غزة، وكذلك جاءت عملية الهجرة بعد 24 ساعة من الجولة الاعلامية التي نظمها الجيش على الحدود الشمالية، وكان على متن المركب 125 شخصاً غالبيتهم من السوريين.

وبحسب المعطيات لم ترصد القوى الامنية أي محاولة للهجرة غير الشرعية منذ الاسبوع الاول من الشهر الفائت، وتعزو ذلك ليس فقط الى الرقابة الامنية بل ايضاً الى الظروف المناخية، اضافة الى ان المراكب التي عادة ما يستخدمها المهربون في رحلاتهم غير الشرعية غير مجهزة لمقاومة ضغط المياه خلال فترة هيجان البحر، وانها خلال الطقس الصافي وفي عزّ آب وتموز كانت تتعرض للغرق او على الاقل لحوادث خطرة.

في الخلاصة، لم يستطع لبنان حتى تاريخه منع الهجرة غير الشرعية ولا منع تسلل النازحين عبر حدوده بشكل كامل وإن كانت هناك محاولات تبذلها القوى الامنية للوصول الى الهدف المنشود، لكن لا يبدو ان الامكانات تسمح وكذلك التعقيدات السياسية التي غالباً ما تدخل في كل شاردة وواردة، ومن النافل التذكير ببعض المواقف التي كانت تنتقد "التساهل البري" و"التشدد البحري"، في اشارة الى ما كانت تسميه عدم الحسم في مواجهة النزوح البري في مقابل تشدد القوى الامنية في منع الهجرة البحرية بغية عدم إغضاب اوروبا وغيرها. بيد ان ذلك يدخل ضمن السجال السياسي الاعتيادي، مع تسليم لبناني كامل بأن النزوح السوري يمثل تحدياً مصيرياً للبنان ومستقبله.