تسليف لبنان مشروط... ماذا تقول تقارير وكالات التصنيف عنه؟

مع دخول الحرب على غزة شهرها الأول، ووسط الأجواء الملبّدة في المنطقة التي تشهد معارك طاحنة، تتوالى التقارير الواردة من وكالات التصنيف العالمية التي تراقب تداعيات الحرب على بلدان منطقة الشرق الأوسط، بما فيها بينها لبنان، في مجال الاقتصاد العالمي ككلّ، وأسعار النفط تحديداً.

قبل "ستاندرد آند بورز" ثمة تقارير لكلّ من "فيتش" و"موديز". ربما الحرب الدائرة تسرّع وتيرة التوقعات في التقارير التي تحلّل الوضع الاقتصادي.

ففي 6/ 11/ 2023، توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" تضرّر قطاع السياحة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جرّاء الحرب على غزة.

وإذ ركّزت على قطاع السياحة، لفتت إلى "أن الضرر الأكبر سيكون على لبنان ومصر والأردن، ممّا يؤدي إلى تحقيق خسائر اقتصادية وتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وضعف الميزان الخارجي لهذه البلدان، بالرغم من أنّ بالإمكان تخفيف ذلك إلى حدّ ما من خلال الدعم المحتمل من الجهات المانحة الدولية...".

الوضع الاقتصادي المترّدي ليس جديداً على لبنان الذي يعيشه منذ أكثر من 5 سنوات.

ولا يبدو أن لبنان قادر على إيجاد التمويل الخارجي بعدما عزلته السياسات الحكومية المتعاقبة عن العون الخارجيّ، بسبب عدة عوامل: سوء استخدام السلطة السياسية، فشل إدارة القطاع العام وتخزين الفساد في الدوائر الرسمية، الغباء في التعاطي مع الأزمة الاقتصادية، إلى جانب سرقة الودائع - طبعاً - مع حرمان أصحابها من الوصول إليها، تضّخم حجم القطاع العام وتكبير حجم الدين العام، الذي قدّر صندوق النقد الدولي أنه بلغ 282 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2022.

في تقرير نُشر في الخامس تشرين الأول، أي قبل يومين من اندلاع الحرب في قطاع غزة، قال البنك الدولي "إن لبنان سيحقّق نسبة نمو 0.2% في الـ2023 بسبب أداء القطاع السياحي، وتحسّن الاستهلاك، وستكون السنة أوّل سنة يحقّق الاقتصاد اللبناني فيها نسبة نمو منذ الـ2017". ولكنّه سبق وذكر في تقرير له في أيار الماضي، أن "الاقتصاد اللبناني هو بعيد كل البعد عن مسار الاستقرار، ناهيك بمسار التعافي".

تضاعفت على مراحل منذ 2011 عوامل المخاطر السيادية من الناحية المالية والاقتصادية في البلاد والمؤثرة على الفوائد وعلى التصنيف السيادي. وهذا ما سجّلته تقارير مؤسسات التصنيف الائتماني مع زيادة اعتماد الحكومات المتعاقبة على مصرف لبنان لتمويل العجز المتمادي للدولة وحاجاتها التمويلية بالعملات الأجنبية.

ما هو الجديد في تقارير وكالات التصنيف الائتمانية؟ وإن كان الدعم الخارجيّ يخفّف من وطأة الكارثة فمن أين ستكون وجهته إلى لبنان؟

هل أخرج لبنان نفسه من منظومة التمويل العالمية بعدما تمنّعت حكومة حسان دياب عن تسديد استحقاق سندات اليوروبوندز عام 2020؟

 

لا يستبعد رئيس قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل "إصدار تقارير لوكالات أخرى ستصّب ملخّصاتها في نفس الخانة، علماً بأن "ستاندرد آند بورز" سلّطت الضوء في تقرير بعد 7 تشرين الأول على القدرة الائتمانيّة في هذه البلدان، كما أصدرت وكالة "موديز" تقريراً عن القدرة الائتمانية لبلدان الشرق الأوسط في ظل الحرب القائمة.

أما بالنسبة إلى لبنان، فذكّر غبريل بأن وكالات التصنيف العالمية خفضت في آذار 2020 تصنيف لبنان الائتماني إلى ثاني أدنى درجة في سلّم تصنيفاتها بسبب قرار الحكومة السابقة التخلّف عن تسديد استحقاق سندات اليوروبوندز، مما يعني أن الدولة صاحبة هذا التصنيف تخلّفت اختيارياً عن هذه الالتزامات". وأضاف: "لم يسبق للبنان أن تخلّف عن سداد دينه الحكومي بالعملات الأجنبية قبل ذلك بالرغم من أن تصنيفه الائتماني كان "B-" قبل اندلاع الازمة الاقتصادية، وكان أصلاً دون المستوى الاستثماري، الذي لم يمنع الدولة اللبنانية من سداد التزاماتها تاريخياً بغض النظر عن الأوضاع القائمة".

ويقول: "أجمعت وكالات التصنيف "ستاندرد آند بورز" و"فيتش" و"موديز" في التقارير الدورية عن لبنان الصادرة في الصيف المنصرم على أنها لن ترفع التصنيف الائتماني للبنان قبل قيامه بالمفاوضات مع الدائنين (حاملو سندات اليوروبوند) وإعادة جدولة الاستدامة للدين العام، إلى جانب الحاجة إلى تطبيق الإصلاحات البنيوية التي تمّ الاتفاق عليها مع الصندوق".

اللافت أنه في الاجتماعات نصف السنويّة لصندوق النقد والبنك الدولي التي انعقدت في المغرب في منتصف الشهر الماضي لم يتم التطرّق بالعمق إلى الوضع الاقتصادي اللبناني، ولم تذكر المصارف الاستثمارية العالمية لبنان في تقييمها لنتائج هذه الاجتماعات؛ وهذا مردّه إلى التلكّؤ في تطبيق الإصلاحات البنيوية.

وخلال هذه الاجتماعات، ذكر مدير قسم الشرق الأوسط في الصندوق الدكتور جهاد أزعور "أن لبنان وقّع مع صندوق النقد الدولي على اتفاق مبدئي في الـ7 من نيسان 2022، وكان من المفترض اتخاذ إجراءات سريعة وملحّة بغض النظر عن مضمون الاتفاق، وهي:

1- إقرار قانون الكابيتال كونترول.

2- إقرار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

3- إقرار مشروعي قانون موازنة 2022 و2023".

و"باستثناء إقرار مشروع قانون موازنة 2022 في أيلول 2022، لم تقم السلطة السياسية اللبنانية بأيّ إصلاحات ضرورية. بغضّ النظر عن الاتفاق مع الصندوق. وكان من الواجب التفاوض مع الدائنين، وتوحيد سعر الصرف، وإعادة جدولة الدين العام، وتقييم موجودات ومطلوبات أكبر 14 مصرفاً في لبنان. ولكن لم يحصل أي من ذلك لغاية الآن"، وفق غبريل.

لم تلحظ التقارير الأخيرة المنشورة لصندوق النقد لعام 2023 حول معدّلات النمو العجز في الموازنة العامة، ومستوى الدين العام، وميزان الحساب الخارجي في بلدان العالم، وضع لبنان، بل تم الاكتفاء بما هو متوافر عنه في العام 2022. وهذا سببه أن الأرقام المتوافرة غير كافية؛ فلبنان دخل في مرحلة الاقتصاد النقدي من جهة، وغابت الأرقام الدقيقة والمؤشرات الأساسية والضرورية من جهة أخرى.

 

جهوزية دولية للتسليف، ولكن!

وعن احتمال حصول لبنان على مساعدات خارجية في هذه المرحلة، بعدما دخل فعلياً النفق المظلم في 2019، إلى جانب تحذير صندوق النقد من أن استمرار الوضع الراهن في لبنان يمثّل الخطر الأكبر، وأن إجراءات الإصلاح هي دون التوّقعات، ولم يُطبّق ما نصح به، يعتبر غبريل "أن المؤسسات الدولية المتعدّدة الأطراف جاهزة لتسليف الدولة اللبنانية، ولكنها بانتظار الاتفاق النهائي مع صندوق النقد. صحيح أن الهدف ليس فقط الحصول على 3 مليارات دولار، ولكن توقيع الاتفاق النهائي هو مفتاح لاستقطاب التمويل من جهات مانحة أخرى، مثل مؤسسة التمويل الدولية البنك والأوروبي للاستثمار ...".

 

أخيراً يبقى القول، إنه إلى ما قبل الـ17 من تشرين الأول 2019، كانت الدولة اللبنانية تواجه صعوبات في جذب التمويل الخارجي. وإن لم يكن التخلّف عن تسديد الدين السبب الوحيد للعزلة الدولية، يجدر القبول بأنه مع تبنّيه قرار التعثّر في تسديد الدين، انتقل لبنان إلى هامش النظام المالي والمصرفي والتجاري العالمي، ولم يزل لغاية اليوم، ممّا يمنعه الاستدانة من الأسواق المالية العالمية. ويبدو أن الحكومة تركّز في خطة الطوارئ الحالية التي أعدّتها لمواجهة التطورات الناتجة عن أيّ اعتداء إسرائيلي على تأمين التمويل من سلفات الخزينة من جهة، وممّا يتمّ تحويله من أموال رُصِدت في برامج تطبّقها وكالات الأمم المتحدة في لبنان، مع الإشارة إلى احتمال طلب مساعدات إضافية من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.