تعقيدات المباحثات اللبنانية-السورية: عودة اللاجئين غير ممكنة؟

في موعد لم يُحدد بعد، يترقب لبنان زيارة الوفد الحكومي الرسمي إلى سوريا، والتي مهد لها قبل نحو أسبوع وزير المهجرين عصام شرف الدين، حيث التقى وزير الداخلية السوري محمد الرحمون ومسؤولين سوريين آخرين في دمشق، تحت عنوان: "تعزيز التعاون لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم".

ووسط هذه الخطوات العملانية بملف اللاجئين، التي يسعى لبنان الرسمي إلى تكريسها أمرًا واقعًا أمام الرأي العام المحلي والدولي، يذهب متابعو تفاصيل وخبايا المباحثات إلى السؤال: لماذا خطة لبنان غير قابلة للتطبيق؟

بين الطوعية والترحيل
عمليًا، يترقب لبنان تحريك عجلة خطة إعادة اللاجئين، بعدما كلفت حكومة تصريف الأعمال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، بمهمة التواصل مع الجهات المعنية بسوريا، وهو سيحدد موعدًا لزيارة الوفد الوزاري الرسمي إلى دمشق، وسيتألف من ستة وزراء مع مندوبين عن مديرية الأمن العام ومجلس الدفاع الأعلى.  

وفي العناوين العريضة لزيارة شرف الدين التمهيدية، حمل مطلب تشكيل لجنة ثلاثية بين لبنان وسوريا والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR). وتناول مسائل مكتومي القيد السوريين وحديثي الولادة وخدمة العلم العسكرية، وملف المساجين السوريين، مع طرح فكرة نقلهم إلى سوريا لاستكمال محكوميتهم هناك.

وسبق أن تحدث شرف الدين عن موافقة الجانب السوري على إعادة 180 ألف لاجئ كل دفعة، وتحدث عن توفير 480 مركز إيواء لهم، من دون إعطاء تفاصيل حولها. علمًا أن معلومات "المدن" تشير إلى أن مراكز الإيواء هذه، هي عبارة عن مدارس ومراكز عامة، وهي تاليًا غير قابلة لتكون مكانًا مؤقتًا أو مستدامًا للعودة، وسبق أن اختبر سوريون مرارة الاحتماء بها.

في آخر دراسة أجرتها المفوضية في مصر ولبنان والأردن والعراق، بين كانون الثاني وشباط 2023، حول نوايا اللاجئين السوريين وتصورات العودة لديهم، بدا لافتًا أن السبب الأول الذي يتصدر عدم رغبتهم بالعودة حاليًا، هو العامل الاقتصادي أو "سبل كسب العيش"، يليه القلق من الوضع الأمني وسلامة العائدين. والسؤال الجوهري لدى هؤلاء: كيف سنعيش وماذا سنعمل؟

التضليل وواقع العودة
يتحدث مصدر مسؤول غير حكومي واسع الاطلاع، بين لبنان وسوريا، عن كمٍ هائل من العمل مطلوب ميدانيًا في سوريا، تحتاج لمسار سنوات. علمًا أنه لم يجر البدء بها، وفي طليعتها عملية إعادة الإعمار، قبل أن تصبح سوريا بلدًا قادرًا على استقبال ملايين اللاجئين في البلدان الخمسة المجاورة.

داخليًا، عاد مئات الآلاف من النازحين السوريين إلى مناطقهم، من الشمال الشرقي إلى دير الزور مثلًا، أو من دمشق إلى اللاذقية، أو من الجنوب إلى الوسط. حتى مخيم الركبان القابع على الحدود السورية الأردنية، عاد منه حوالى 25 ألفاً عادوا تباعًا نحو الشمال السوري.

وهو ما يجعل حركة العودة الداخلية أوسع، قياسًا لعودة اللاجئين من الخارج، علمًا أن معدلاتها ضئيلة في بلد يسعى نظامه إلى الترويج لمعادلة: الحرب انتهت، سوريا آمنة، ولم يبق سوى رفع العقوبات الأممية والشروع بعملية إعادة الأعمار.

وحسب معلومات ميدانية لـ"المدن"، فإن النظام السوري يعيد تنشيط "عمليات التسوية" للعائدين من نازحين ولاجئين، عبر لجان أمنية بالمناطق تمثل مختلف فروع الأمن، وتشمل مطلوبين بقضايا "أمن الدولة"، وبقضايا جنائية، إضافة إلى المنشقين عن الجيش، والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، وحملة السلاح ومن انتموا لتنظيمات مسلحة؛ مع تسجيل الولادات وإصدار الوثائق وكل هو مرتبط بالأحوال الشخصية للعائدين.

وتذهب مختلف التقديرات بأنه لا يوجد أي رغبة أو توجه لدى النظام لإلغاء الخدمة العسكرية، وفي أحسن حال سيتم تأجيلها ستة أشهر للعائدين المتخلفين عنها.

لكن، هل تعني التسويات المحدودة والتي لا تخضع لرقابة أممية أن سبل العودة أصبحت ممكنة؟
هنا، لا بد من الركون إلى المطلب اللبناني الرسمي، لجهة تشكيل لجنة ثلاثية مؤلفة من ممثلين عن الجانبين اللبناني والسوري إضافة إلى المفوضية الأممية.

لكن المفوضية، ترفض الانخراط في هكذا لجنة، وإن لم تعلن صراحة ذلك، طالما أن العودة لا تحظى برعاية أممية لوجستيًا وماديًا وقانونيًا وأمنيًا، ما يجعل مسألة تشكيل لجنة ثلاثية أكثر تعقيدًا.

والمفوضية التي ترتبط علاقتها بالنظام على المستويين الإنساني والسياسي، فإن مسار الأخير (السياسي) شبه ميت، وهو محصور بالمبعوث الخاص، خصوصًا أن عناوينه عالقة عند مباحثات اللجنة الدستورية والتسوية السياسية ومشاركة المعارضة في النظام..

وبالعودة إلى مؤتمر بروكسل الأخير، الذي عكس امتعاضًا غربيًا واضحًا من الانفتاح العربي الواسع على رئيس النظام السوري بشار الأسد ومشاركته بالقمة العربية، قد يتعاطى الأسد مع ذلك على قاعدة: العرب لم يبحثوا معه أي طرح مرتبط بالتسوية السياسية، بل إن مطلب وقف "تصدير الكبتاغون" كان محور المباحثات.

وعليه، فإن الأسد ونظامه يتعاملان مع ملف "عودة اللاجئين" كورقة سياسية لإعادة الإعمار ولرفع العقوبات. ويدرك الأسد أن حلفاءه (روسيا وإيران تحديدًا) لن يتمكنوا من مساعدته بالملف بلا المجتمع الدولي. لكن ذلك، لن يمنع الأسد حتمًا من القول: أهلاً وسهلاً بالعائدين (وفق شروطه)، لأن عودتهم تكرس انتهاء الحرب وانتصار النظام بلا أي تسوية سياسية.

لبنان-سوريا: المباحثات الناقصة
عمليًا، ثمة نقاش ثنائي وليس ثلاثي بين لبنان وسوريا حول مسار العودة، التي لن تتحقق من دون مساندة المفوضية. فالجانب اللبناني، كأي دولة مضيفة للاجئين، تحتاج لاستشارة منظمات الأمم المتحدة للالتزام بالمعايير الدولية لتنفيذ الخطة، حتى لو كان يتذرع بعدم التوقيع على اتفاقية اللجوء الدولية سنة 1951، مع الإشارة أن كل التمويل الذي يحصل عليه لبنان بملف اللجوء هو غربي، وتحديداً أميركي.

ويعتبر خبراء بالقانون، أن المفوضية تقف على جبهة المراقب للمباحثات اللبنانية-السورية، من دون أن تقف عقبة أمامه، وعلى قاعدة أن المفوضية لا يمكن أن تعمل على تسهيل العودة إلى بلد لا يحظى بمستوى عالٍ من الأمان، لما فيه من خرق لالتزامها بالقوانين الدولية، وبظل غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني عن سوريا.

وهنا، تطرأ الأسئلة التالية: هل النظام السوري جاهز لمنح المفوضية والأمم المتحدة حق الوصول إلى المعلومات المتعلقة باللاجئين العائدين؟ وهل سيمنحهم حق مراقبة سلامة العائدين؟

ورغم التسويات المحدودة التي يجريها النظام، فإن معظم اللاجئين السوريين في لبنان مثلًا يتحدرون من مناطق مدمرة بالكامل. وإلى جانب المخاوف الأمنية واللوجستية، فإن اللاجئين يدركون من أقاربهم بسوريا، أن العقوبات المفروضة عليها، تشكل عائقًا كبيرًا أمام عودتهم واستحالة عيشهم ووصولهم لأبسط الخدمات.

مكامن الضعف
وعليه يمكن تلخيص مكامن ضعف المباحثات اللبنانية-السورية بالنقاطة التالية:

- الأمم المتحدة ليست جزءا منها.

- الخطة غير مدعومة لوجستيًا وماديًا من الجهات المانحة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

- حلفاء النظام غير قادرين ولا معنيين بتمويل خطط العودة، أو دعم مشاريع واسعة متعلقة بإعادة الإعمار.

- احتمال فرض عقوبات غربية وتصعيدها في حال رصد انتهاكات واضحة بملف العودة وعمليات الترحيل، حتى لو حملت عنوان "الترحيل الآمن".

- حاجة العودة إلى منظومة قوانين جديدة (أحوال شخصية، سندات ملكية..)

- صعوبة استرجاع منازل العائدين، والمشاكل الهائلة بحقوق الملكية، سواء جراء عمليات الاستيلاء على منازل المهجرين، أو لأن مئات آلاف المباني في سوريا غير مرخصة وبلا سندات ملكية.

- الجانب اللبناني الرسمي غير مطلع على مختلف التعقيدات. بل يتعاطى مع الملف كمطلب يسعى لتحقيقه بمعزل عن التحديات وخرق القوانين الدولية.

لغز الداتا
طوال سنوات الأزمة، كان لافتاً أن لبنان لديه فجوة كبيرة بالأرقام بين الدولة والمفوضية. وفيما سبق أن قدر الأمن العام اللبناني عدد السوريين بمليونين و80 ألف لاجئ، فإن عددهم بحسب تقديرات الحكومة الرسمية هو 1.5 مليون لاجئ سوري، من بينهم 805,326 مسجلين لدى المفوضية.

وأمام هذه الفجوة، فإن الدولة اللبنانية لا تملك قدرة على تسجيل اللاجئين، وإلا لماذا تطلب من المفوضية الحصول على الداتا؟

والحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تسجل اللاجئين بالأساس، ولأسباب سياسية، طلبت وقف تسجيل المفوضية لهم منذ سنة 2015، مما يجعل كل رقم لبناني حول اللاجئين وأعدادهم غير دقيق.

وبينما يقول الجانب اللبناني أن المفوضية وعدته بتسليم الداتا الخاصة باللاجئين، وتنتظر كتابًا رسميًا من وزارة الخارجية حول المطلب، تشير معلومات "المدن" إلى أن المفوضية قد لا تعطي الداتا إلا بشروط دقيقة، وأبرزها عقد رسمي موقع بين الطرفين، الدولة والمفوضية، حول آلية استخدام الداتا بما لا يخرق القوانين الدولية.

والسؤال، إذن، هل ستستعمل الدولة اللبنانية الداتا التي تطالب بها لإصدار وثائق للاجئين أم حصرًا في عمليات الترحيل؟