حظر التعامل مع "القرض الحسن" ومؤسسات مشابهة... فما الأثر على المتعاملين؟

لم يكن تعميم مصرف لبنان أخيرا على المصارف والمؤسسات المالية بحظر التعامل مع "القرض الحسن" أو المؤسسات المشابهة، إلا قوننة مستنديّة لما كان يعمل به ولا يزال في القطاعين المصرفي والمالي، منذ بدء العقوبات الأميركية على "حزب الله".

ويأتي القرار تصديقا وإبراما قانونيا يحتاج إليه مصرف لبنان، كوثيقة إصلاحية أمام الجهات الدولية، وخصوصا الجانب الأميركي الذي يتابع بدقة مآل الخطوات التي يتخذها لبنان على طريق الإصلاح المالي والمصرفي، وعلى جدية قرارته التي تقفل مسارب ومنافذ تعبر من خلالها عمليات التبييض وتمويل "حزب الله".
لم يأتِ تأكيد المؤكد من فراغ، بل لأن القطاع المصرفي المنهك يحتاج بقوة إلى إبعاد أي شبهات تعامل غير قانونية في حساباتهم، وتبرئة "الصيت" والسمعة المهنية في محافل المال الدولية، وتعزيز صدقية مصرف لبنان أمام أسواق العالم، وإبراز جديته في مكافحة الفساد المالي، والتزامه الكامل مندرجات القوانين والقرارات والعقوبات الدولية، درءا لأي انعكاسات سلبية قد تستجد وتجرّه نحو "اللائحة السوداء".

ما الجديد في هذا التعميم؟ وما أثره على المتعاملين مع هذه المؤسسات أو الجمعيات؟ على الرغم من الطابع الملزم للتعميم، سيكون أثره العملي على جمعية "القرض الحسن" أو سواها محدودا، وفق ما يقول الخبير القانوني والباحث في التشريعات المصرفية الدكتور باسكال ضاهر، "لكون هذه الجمعيات لا تتعامل أصلا مع المصارف اللبنانية أو شركات الصرافة في أعمالها، والأهم أنها لا تجري أعمالا خارجية، على خلفية إدراجها سابقا في لوائح العقوبات الأميركية والدولية. وتاليا، فإن عملها يقتصر على شبكة داخلية مستقلة إلى حد بعيد، تعتمد على التمويل الذاتي وضمن بيئة اجتماعية واحدة، بما يضعها خارج الرقابة المالية التقليدية".

ماذا عن المتعاملين مع "القرض الحسن" والمؤسسات التي شملها التعميم؟ لا يرى ضاهر أي تأثير مباشر عليها "لأن هذه الجمعيات والمؤسسات لا تتعامل أصلا مع القطاع المصرفي، وهي قادرة على تسيير عملياتها داخليا مباشرة بواسطة المتعاملين معها". لكنه يشير إلى "الأثر النفسي" الذي ولّده التعميم، وقد يرفع نسبة القلق لدى المتعاملين ويدفعهم إلى سحب أموالهم، أو إقفال حساباتهم بما ينعكس على ما يمكن تسميته الثقة الائتمانية التي قد تمثلها هذه الجمعيات".

من منظور اجتماعي، يشير إلى أن "سحب التراخيص من هذه الجمعيات والمؤسسات من دون توفير بدائل تمويلية صغيرة الحجم ولا سيما في المجتمعات الهشة، سيؤدي إلى رد فعل اجتماعي معاكس، بسعي مزيد من الفئات إلى الخروج عن النظام القانوني، إذ إن هذه المؤسسات لا تنشط فقط بسبب ضعف القانون بل لأنها تمارس واقعيا نوعا من شبكات الأمان الاجتماعي التي فشلت في تحقيقها الدولة".

مصادر متابعة تؤكد لـ"النهار" أن "تأثير التعميم محدود، ويتصل بعلاقة الزبون مع مصرفه الذي سيرفض حتما إيداع الأموال إذا كان مصدرها "القرض الحسن" أو غيرها، علما أن ثمة صعوبة في معرفة مصدر المبلغ المودع ما لم يقرّ الزبون بذلك. وفي مطلق الأحوال، على المصرف أو المؤسسة المالية المعنية التدقيق في مصدر الأموال انطلاقا من متطلبات "اعرف عميلك" (KYC)، حتى لا تتعرض لعقوبات دولية".

ومعلوم أن قيمة القروض التي يؤمنها "القرض الحسن" لزبائنه تحت الـ10 آلاف دولار، ولا علاقة مباشرة له بالمصارف أو المؤسسات المالية المرخص لها. كما أن قرار إقفال "القرض الحسن" والجمعيات التي شملها التعميم لا يمت إلى مصرف لبنان، لكونها تعمل بصفة جمعيات أو مؤسسات خيرية لا تبغي الربح بموجب "علم وخبر" صادر عن وزارة الداخلية، وتاليا فإن سحب الرخصة منها يندرج في إطار القرار السياسي. والحال أن هذه الجمعيات والمؤسسات تعطي قروضا مقابل ضمانات (عينية أو نقدية أو ذهب)، ويندرج عملها ضمن إطار عمل المؤسسات المالية، لذا يُفترض أن تحصل على رخصة مالية من مصرف لبنان، لا من وزارة الداخلية".