المصدر: هنا لبنان
الاثنين 15 كانون الاول 2025 11:22:42
قدّم وزير الاقتصاد الأسبق آلان حكيم مقاربةً شاملةً للأزمة الإقتصادية، تنطلق من التحذير من مخاطر الإفلاس الشامل للقطاع المصرفي، ولا تنفصل عن التأكيد على أولوية حماية أموال المودعين وربطها حتمًا بالنهوض الاقتصادي. وفي قراءةٍ نقديةٍ للطروحات المتداولة، يُضيء حكيم على مخاطر السندات طويلة الأجل في غياب إصلاحات فعلية، وعلى أهمّية دور الدولة في تحمّل مسؤولياتها، كما يطرح بدائل عمليّة لإعادة ضخّ السيولة في الاقتصاد، معتبرًا أنّ الحل، على الرغم من تعقيداته، لا يزال ممكنًا إذا توفّرت الإرادة السياسية والإدارة الرشيدة.
وحذّر حكيم، عبر موقع "هنا لبنان"، من أنّ تحميل المصارف كامل كلفة الأزمة المالية سيؤدّي حتمًا إلى إفلاس فعلي وشامل للقطاع المصرفي، ما يعني توقّفه عن العمل، وفقدان الثقة به داخليًا وخارجيًا، وبالتالي التسبّب بانهيار كامل للنظام المالي.
وأكّد حكيم أنّ هذا السيناريو يضع أموال المودعين أمام خطر الضياع أو الاقتطاع القاسي، في ظلّ غياب أي آلية واقعية لحمايتها، سواء عبر صندوق ضمان فاعل أو من خلال تدخلٍ مباشرٍ من الدولة. كما أشار إلى أنّ المصارف ستفقد قدرتها على الامتثال لمتطلّبات الملاءة القانونية الدنيا، ما يعني تدمير قطاع كان لا يزال قادرًا على الاستمرار خلال المرحلة الماضية.
وأوضح أنّ السيولة المتوافرة حاليًا لدى بعض المصارف، سواء النقدية أو الأموال الموجودة في الخارج لدى المراسلين، إضافةً إلى العقارات وسندات اليوروبوند التي تحسّن سعرها إلى حدود 21 سنتًا، لا تغطّي سوى نسبة محدودة من الودائع، وهي غير كافية إطلاقًا لمعالجة الفجوة كاملة، خصوصًا في غياب دعم الدولة أو خطة إنقاذ شاملة، واضحة وشفّافة. كما شدد على أنّ جزءًا كبيرًا من هذه الأصول غير سائل بطبيعته، ما يقيّد قدرة المصارف على الاستمرار بعملها الطبيعي من دون خطة تعافٍ متكاملةٍ.
وحول طرح السندات طويلة الأجل، أوضح حكيم أنّ الهدف منها هو توزيع كلفة الخسائر على فترةٍ زمنيةٍ طويلةٍ لتفادي الصدمة المباشرة، عبر آجال تمتدّ ما بين 5 و10 و20 سنة بحسب نوع السندات. واعتبر أن هذا الإجراء يساهم نظريًا في إعادة بناء ميزانية مصرف لبنان تدريجيًّا، إلّا أنّ فعاليته تبقى مشروطةً بحسّن الإدارة، والاستقرار السياسي، والإدارة الرشيدة والشفافية.
وأضاف أن السندات طويلة الأجل تحمل في الوقت نفسِه مخاطر كبيرة إذا لم تكن جزءًا من خطة إصلاحية جدية، إذ قد تؤدي إلى زيادة الضغط على سعر الصرف ورفع مستويات التضخّم.
وشدّد حكيم على أنّ دور الدولة أساسي في أي حل، منتقدًا محاولتها التنصّل من مسؤوليتها المباشرة عن الأزمة، على الرغم من أنّها المستفيد الأول من تمويل مصرف لبنان لعجزها، مؤكدًا أن هذه الأموال هي في الأصل دَيْنٌ على الدولة، أي أنها أموال الناس التي يجب إعادتها. واعتبر أنّ غياب الدولة عن تحمّل جزءٍ أساسيٍّ من الكلفة يضرب مبدأ العدالة، ويُفقد أي خطة ثقة المواطنين والمجتمع الدولي والمؤسّسات المالية الدولية، ما يُعقّد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ويُعرقل أي تعافٍ مستدام.
وقال حكيم إن أي خطة إنقاذ جدّية يجب أن تقوم على توزيعٍ عادلٍ للخسائر بين الدولة والمصارف ومصرف لبنان، بهدف حماية ما تبقّى من أموال المودعين، وربط ذلك بالنهوض الاقتصادي، معتبرًا أن المسارَيْن لا ينفصلان عن بعضهما.
وعن الحلول المقترحة، رأى حكيم أن الحلّ “ليس سهلًا، لكنه ممكن”، ويبدأ بإعادة ضخّ السيولة في الاقتصاد اللبناني. وأشار إلى أن الذهب، الموجود أساسًا للحالات الاستثنائية، يمكن استخدام فائضه من دون المساس به كلّيًا، عبر أدوات مالية تُتيح تحويله إلى عنصر منتج بدل بقائه مجمّدًا في الخزائن.
وأوضح أنه في حال جرى استخدام جزء من الذهب إلى جانب جزء من الاحتياطي الإلزامي، يمكن تأمين ما بين 18 و20 مليار دولار سيولة لدى مصرف لبنان. وذكّر بأن المصرف المركزي كان يضخّ ما بين عامي 2011 و2016 نحو 1.5 مليار دولار سنويًا لتحريك الاقتصاد، معتبرًا أنّ المبالغ المتاحة اليوم كفيلة بتسيير شؤون المودعين وفق خطة واضحة، وتحفيز الاستهلاك وفتح أبواب الاستثمار.
وأكد أن الأزمة الحالية هي بالدرجة الأولى أزمة سيولة لا أزمة ملاءة، داعيًا إلى ضخّ الأموال تدريجيًا ضمن إطار زمني مدروس، وبموازاة ذلك فرض رقابة صارمة على إدارة النقد والتداول بالكاش لمنع أي هجمات على السيولة أو نتائج سلبية.
وختم حكيم بالإشارة إلى أنّ السندات المطروحة حاليًا تُعرف بـ”Asset-Backed Securities” أي سندات مدعومة، مُتسائلًا: “مدعومة بماذا وبمَن، في ظلّ غياب الثقة بالدولة؟”، معتبرًا أن “أي أداة مالية، مهما كان اسمها، لا يمكن أن تنجح من دون ثقة، وإصلاح، وتحمّل حقيقي للمسؤوليات”.