خطابات نصرالله والمسلسلات المدبلجة

جاء في لبنان الكبير:

خطابات حسن نصرالله باتت أشبه بالمسلسلات المدبلجة. حلقات مكررة وكلمات وتهديدات واتهامات تتكرر بكل حلقة - خطاب، فقد الرجل هالة كان قد نجح سابقاً برسمها حول شخصه، وبات كأي سياسي لا يستمع لما يقوله إلا بعض من جمهور حزبه، وخصومه ومن يهتم بالشأن العام.

كانت تمر أسابيع من دون أن يتحدث، وباتت خطاباته وإطلالاته الإعلامية شبه يومية، حتى إنهم صاروا يخترعون مناسبات ليبرروا له كثرة خطاباته، فوصل إلى مرحلة أن خطابه بعاشوراء لا يختلف عن خطابه بعيد الشجرة.

"حزب الله" الوكيل الحصري والوحيد لإدارة المعابر غير الشرعية، والشريك الأساسي في إدارة المعابر الشرعية، يقول أمينه العام قبل أيام: "إن مهربي المازوت من البلاد إلى سوريا هم خونة" ويضيف: "تلقيت رسالة ضمنية من سوريا أن ساعدونا على منع التهريب، لأنه يضر بالخطة الاقتصادية وبرنامجها الإصلاحي في سوريا".

هو يعترف اذن أن سوريا الأسد لا تعترف بلبنان الدولة لتراسله بالطرق الرسمية والديبلوماسية. ولا هو يعي معنى أن يقول أن "دولة" تراسل زعيم ميليشيا أو الأمين العام لحزب. أليس هذا اعترافاً صريحاً أنه هو من يسيطر على المعابر، الشرعية وغير الشرعية؟ طبعاً من دون أن يعني ذلك أن ما يقوله نصرالله أو ما يطلبه بشار هو أمر حقيقي، فلقد اعتدنا أن نسمع منه الكثير من الأمور غير الصادقة.

يصر نصرالله على أن هناك حرباً وحصاراً على لبنان، متجاهلاً أن من شن هذه الحرب ومن حاصر لبنان هو "حزب الله" نفسه يوم قرر أن يتحول من ميليشيا لبنانية إلى ميليشيا عابرة للحدود ترسل مرتزقتها للقتال في أي مكان تطلبه منها طهران. حتى وصل به الأمر إلى تشجيع الاعتداءات الإرهابية على دول صديقة وشقيقة للبنان طالما وقفت معه ودعمته ودعمت اقتصاده. لم يترك جريمة من إرسال المرتزقة إلى تهريب المخدرات إلى التفجيرات إلا وارتكبها، ومع ذلك يصر على اتهام هذه الدول بأنها تحاصر لبنان وتعاديه.

يراهن نصرالله على أن الناس تعاني من حالة فقدان ذاكرة جزئي، أو ربما هو يدرك أن جزءاً كبيراً من الناس لم تعد تهتم حقا بما يقول. فبالنسبة له في خطابه بالأمس "إيران على مدى 40 عاماً لم تتدخّل في الشؤون اللبنانية، وقرارنا بأيدينا"، هو نفسه صاحب الاعتراف الشهير انه جندي في ولاية الفقيه ويتلقى هو وعناصر حزبه رواتبهم من طهران، وكأن صاحب العمل لا يتدخل بعمل موظفيه. وليظهر أكثر حالة الهووس أو الغضب الدائم التي يعاني منها، لا بد له ككل مرة من اتهام خصومه، فيقول: "لسنا أداة عند أحد، ولا عبيداً، كما الآخرون عند أسيادهم".

ولا ينسى نصرالله أن يستمر في إطلاق أسطوانة المتاجرة بالقضية الفلسطينية، فـ"مواجهة الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين تبقى في رأس أولويات المقاومة" حسب قوله، ولكن حسب أفعاله فالقضية الفلسطينية هي أبعد ما يكون عن تفكيره ونهجه وعمله، وكأن ما ينقص هذه القضية هو أن تكون شماعة لممارسات الميليشيات الإيرانية في المنطقة.

لست من هواة المسلسلات المدبلجة مئوية الأجزاء، ولكني أجزم أنها أكثر تشويقاً من خطابات نصرالله في السنوات الأخيرة. تلك المسلسلات يتابعها الناس ليهربوا لساعات من واقعهم الأليم ويعيشوا بضع ساعات مع أحلام أبطال المسلسل، أما خطابات نصرالله، فهي ليست إلا لتذكير الناس بمأساتهم وبما يعانونه، هي الواقع الأليم الذي يعيشونه حرفياً، والمشترك الوحيد بينهما أن خطاباته والمسلسلات كلاهما لغتهما الأصلية ليست لغة أهل البلد.