سرطان الثدي في 2025: أزمة صحيّة عالميّة وإقليميّة تتفاقم... لبنان في قلبها!

مما لا شك فيه ان سرطان الثدي ليس مجرد حالة طبية، بل هو مرآة للمجتمعات التي تتجاهل الوقاية، ومؤشر على هشاشة النظم الصحية وقدرة النساء على الوصول الى الرعاية. كل يوم يمضي دون فحص أو توعية، هو فرصة ضائعة لإنقاذ حياة. في الوقت الذي تتجه فيه وسائل الإعلام والمجتمعات نحو اهتمامات يومية متفرقة، يظل هذا المرض الصامت يفتك بصمت، متسللًا بين العائلات والأصدقاء، متجاوزا الحدود الاقتصادية والاجتماعية.


وعليه، لا مناص من القول ان شهر تشرين الأول الذي يخصص للتوعية بسرطان الثدي، ليس مناسبة رمزية أو حملة تسويقية، بل هو تحذير صارخ: إن لم يوضع هذا المرض تحت المجهر، فهذا يعني غض الطرف عن ملايين النساء اللواتي يقفن على حافة الخطر، بلا دفاع ولا صوت يحميهن. لذا تعطي "الديار" هذه المسالة أولوية مطلقة، وتعتبر ان تسليط الضوء عليها ليس رفاهية، وانما واجب إنساني وضرورة صحية.

التقديرات المحدثة "كارثية"!

ومن هذا المنطلق، يجب  لفت الانتباه الى انه في عام 2025، يواصل سرطان الثدي فرض صمته القاتل على النساء حول العالم. وفي هذا المجال، تشير أحدث البيانات الدولية إلى أن ملايين النساء يُشخَّصن سنوياً، مع ارتفاع ملحوظ في الوفيات، في ظل تفاوت مذهل بين الدول الغنية والفقيرة.

 وفي لبنان، حيث يُعد سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعا بين النساء، تكشف الأرقام عن ارتفاع مستمر في معدلات الإصابة والوفيات، مما يجعل الحاجة إلى الكشف المبكر والتوعية الصحية، أكثر إلحاحا من أي وقت مضى. وبما لا يدع مجالا للشك، تعتبر هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، إنها دعوة للاستنفار الصحي العالمي والمحلي، قبل أن تتحول التوقعات المرعبة إلى واقع مأسوي.

الوضع العالمي

في جميع الأحوال، الأرقام المخيفة دفعتنا الى فتح هذه القضية، نظرا إلى تزايد الإصابة بهذا الداء الفتّاك. وبحسب مصدر في وزارة الصحة: "في عام 2022، سُجِّل عالميا 2.3 مليون حالة جديدة من سرطان الثدي، مع 670,000 حالة وفاة، مما يجعله أكثر أنواع السرطان شيوعا بين النساء. ووفقا لتقرير صادر عن الوكالة الدولية لأبحاث السرطان (IARC) في شباط 2025، إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فمن المتوقع أن يرتفع عدد الحالات الجديدة إلى نحو 3.2 مليون حالة سنويا بحلول عام 2050، مع زيادة في الوفيات تصل إلى 1.1 مليون حالة وفاة سنويا، مشيرا الى ان هذه التقديرات تقريبية وليست مئة في المئة".

الوضع الإقليمي

ويوضح المصدر: "انه استنادا الى دراسة نُشرت في مجلة International Journal of Cancer بتاريخ 10 يناير 2025، بعنوان "Current and future burden of female breast cancer in the Middle East and North Africa region using estimates from GLOBOCAN 2022" (العدد 156، الصفحة 2320-2329)، تم تشخيص حوالى 118,200 حالة جديدة من سرطان الثدي في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في عام 2022، مع تسجيل 41,000 حالة وفاة بين النساء في المنطقة. تُعزى هذه الزيادة إلى عوامل متعددة، منها التغيرات في نمط الحياة، والتقدم في تقنيات الكشف المبكر، وتحسن الوعي الصحي بين النساء".

ويشير المصدر الى "تفاوت معدلات الإصابة بين الدول، حيث تتجاوز 60 حالة لكل 100,000 امرأة في الجزائر والعراق، في حين تقل عن 30 حالة لكل 100,000 امرأة في السعودية واليمن. أما أعلى معدلات الوفيات فتم تسجيلها في العراق وسوريا والجزائر والسودان، بما يزيد على 20 حالة لكل 100,000 امرأة، بينما تصل في السعودية إلى نحو 7.6 حالة لكل 100,000 امرأة. إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فمن المتوقع أن يرتفع عدد الحالات الجديدة إلى نحو 219,000 حالة سنويا بحلول عام 2050، مع زيادة في الوفيات لتصل إلى نحو 88,900 حالة وفاة سنويا".

"مأّساة" في لبنان!

على المستوى المحلي، يؤكد طبيب اورام في مستشفى الجعيتاوي لـ "الديار" ان "سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعا بين النساء. وفقا لبيانات CanScreen5، يبلغ معدل الإصابة بسرطان الثدي في لبنان 57.9 حالة لكل 100,000 امرأة، ومعدل الوفيات 20.4 حالة وفاة لكل 100,000 امرأة. كما تشير الدراسات إلى أن لبنان شهد زيادة ملحوظة في حالات الإصابة والوفيات المرتبطة بالسرطان خلال السنوات الأخيرة".

التوقعات المستقبلية "غير مطمئنة"!

ويشدد الطبيب على انه "إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فمن المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة زيادة في حالات الإصابة بسرطان الثدي، مما يشكل تحديا كبيرا للنظام الصحي في لبنان. لذا المطلوب اليوم من جميع المراجع الطبية العالمية تعزيز برامج التوعية، وتحسين الوصول إلى خدمات الكشف المبكر، وتوفير العلاج المناسب للمرضى".

الأسباب بين العلم ونمط الحياة

في سياق متصل بهذا المرض الخبيث، يشرح طبيب اختصاصي طب أورام وأستاذ محاضر في الجامعة الأميركية في بيروت لـ "الديار"، أن "سرطان الثدي ليس مرضا واحدا، بل مجموعة أمراض تتقاطع فيها الوراثة والهرمونات ونمط الحياة". ويقول "السبب الجيني لا يتجاوز 10 إلى 15 في المئة من الحالات، وغالبا ما يرتبط بطفرات في جينات BRCA1 وBRCA2، وهي تُورّث داخل العائلة. لكن الغالبية العظمى من الإصابات لا تعود لعامل واحد، بل إلى تراكمات سلوكية وبيئية على مدى سنوات”.

ويضيف: "العمر، البدانة، قلّة الحركة، والتعرض المفرط للهرمونات الأنثوية، تشكل بيئة خصبة لظهور الورم. اذ كلما طال تعرض الجسم لهرمون الأستروجين، سواء بسبب بدء الطمث في سن مبكرة، أو تأخر انقطاعه، أو بسبب العلاجات الهرمونية، ارتفع خطر التحوّل السرطاني في خلايا الثدي. كذلك تؤدي السمنة دورا مزدوجا، فهي ترفع مستويات الأستروجين وتضعف المناعة في آنٍ واحد".

أما عن نمط الحياة، فيحذر الطبيب "من الاعتياد على الجلوس الطويل، التغذية الغنية بالدهون الحيوانية والسكريات وتناول الكحول"، مؤكدا "أن السرطان لا يولد في يوم، بل ينمو ببطء على مدى عقد أو أكثر، تحت تأثير العادات اليومية".

ويختم حديثه بالإشارة الى "ان ما نواجهه اليوم ليس فقط تحديا طبيا بل تحد اجتماعي. فكل امرأة تتأخر عن الفحص أو تهمل عاداتها الصحية، هي من دون أن تدري تمنح السرطان فرصة للسبق. التوعية والكشف المبكر ليسا رفاهية، بل خط الدفاع الأول في معركة طويلة مع الزمن".

لتكثيف الجهود لتحسين فرص النجاة

في الخلاصة، لا بد من الإشارة الى انه خلال هذا التحقيق، صرخت عشرات النساء المصابات بسرطان الثدي بصوت واحد: وزارة الصحة يجب أن تتحرك الآن.

هذه النساء طالبن بإعطاء القطاع الاستشفائي أولوية للمصابين بالأمراض الخبيثة، لضمان حصولهم على العلاج الضروري، دون أن تقف العقبات المالية حاجزا أمام حياتهم. فالعديد منهن غير قادرات على شراء الأدوية، أو إجراء الفحوصات الدورية، أو حتى الوصول إلى مراكز العلاج، ما يجعل المرض يتحول من تحدٍ صحي إلى كارثة اجتماعية واقتصادية. لذا، يترك غياب الدعم المالي والفحوصات المجانية آلاف النساء دون وسيلة للوقاية والكشف المبكر، ويجعل الدولة شريكة غير مباشرة، في مضاعفة اعداد النساء المصابات بهذا المرض.

وحرصا من "الديار" على إيصال أصوات كثيرات ممن غدرهن المرض، فان الوقت لا يحتمل التأجيل. وبالتالي هناك حاجة لخطة عاجلة توفر فحوصات دورية مجانية في جميع المناطق اللبنانية، وتمنح أولوية في العلاج للسيدات اللواتي لا يملكن القدرة المادية. هذه الخطوة ليست رفاهية، بل هي الدفاع الأول عن حياة آلاف النساء في لبنان، قبل أن يتحول المرض إلى مأساة أكبر لا يمكن السيطرة عليها.

في النهاية، تُظهر الأرقام والبيانات أن سرطان الثدي يشكل تحديا صحيا عالميا وإقليميا ومحليا. ومع التوقعات بزيادة الحالات والوفيات في المستقبل، يصبح من الضروري تكثيف الجهود للحد من انتشار المرض، وتحسين فرص النجاة للنساء في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك لبنان.