سلاح حزب الله ومسلَّة الأسد

قال رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في مؤتمر صحافيّ مشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالأمس :«السلام يبدأ بالنسبة إلينا، بتأكيد التزام لبنان الكامل للقرار الدولي 1701، للحفاظ على سيادة لبنان ووحدة أراضيه، ‏مع تشديدنا على أهمية دور القوة الدولية (اليونيفيل) ‏وضرورة وقف الأعمال العدائية التي تقوم بها إسرائيل والعودة إلى أحكام اتّفاقية الهدنة للعام 1949». 

يكتسب هذا الإعلان أهميته من الثقل الذي تمثّله جمهورية مصر العربية كإحدى دول القرار  الوازنة في المنطقة التي وضعت ثقلها دائماً لدعم لبنان عبر إستحقاقات سياسية وأمنية حرجة كان آخرها الإستحقاق الرئاسي، ومن تأكيد الإلتزام أمام الرئيس المصري بما ورد في خطاب القسم وفي البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام حول حصرية السلاح بيد الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها. وبالمقابل فإنّ استمرار التعثر المهيمن على التنفيذ قد يحوّل هذا الإعلان إلى لازمة خطابية تفتقد الكثير من وقعها ومصداقيتها وتستحضر الكثير من التساؤلات حول جدية وقدرة الدولة على تطبيق ما تمّ الإلتزام به. 

وفيما يجمع المراقبون على أن الآمال المعقودة على الحوار المزعوم لإنجاز حصرية السلاح قد تلاشت الى درجة كبيرة مع تلاشي الأرضية المشتركة بين حزب الله والرئاسة اللبنانية، سجلت القمّتان الخليجية التي شارك بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب والقمّة العربية التي شارك بها رئيس الحكومة نواف سلام ـــــ واللتان عقدتا خلال الأسبوع المنصرم ـــــــ مجموعة من المواقف التي يمكن الإستناد إليها للخروج ببعض الثوابت، وفي مقدّمتها التقييم العربي والأميركي  للأداء اللبناني حيال المتغيّرات التي شهدتها المنطقة.

يبدو الفصل مستحيلاً بين الحضور السلبي والهامشي للبنان في القمّة الخليجية الأميركية من جهة والأداء الباهت في مسألة تنفيذ قرار وقف إطلاق النار وتحديدًا في حصرية السلاح من جهة أخرى، على الأقل لجهة القدرة على وضع سياسة واضحة لإنجاز ما هو مطلوب. فما بين تأكيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أمام القمّة على ضرورة التمسك بحصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وتنويه الرئيس الأميركي بما «يسمعه» عن قدرة الإدارة الجديدة في لبنان، ولا سيما رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام على بناء دولة، بعيداً عن «حزب الله» أكثر من عتب، بما يلامس حدود التهديد بالعزلة واستمرار الوضع الميداني على حاله وربما الذهاب الى مزيد من التصعيد.

ويمكن في هذا السياق إدراج الموقف الذي أطلقته نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، عبر وسيلة إعلامية لبنانية تحديداً، بأنّ المطلوب هو «نزع سلاح الحزب ليس فقط جنوب الليطاني بل من البلد كله، بما يضمن عودة الإستقرار والأمن إلى الجنوب البناني والمنطقة كلها».

وفي محاولة لإنقاذ لبنان من موقع المواجهة مع المجتمعين العربي والدولي، أضفت عبارات رئيس الحكومة نواف سلام في قمّة بغداد الكثير من الواقعية على توصيف أداء الدولة اللبنانية حيال مسألة حصرية السلاح، بعيداً عن الحتميات المنبرية العالية السقف البعيدة كل البعد عن حقيقة ما يواجه تطبيق القرار 1701 من عقبات. لقد قدّم الرئيس سلام تقييمه حيال ما يقوم به لبنان إذ اعتبر أن الدولة « تقوم على فرض سيادتها على كامل أراضيها وحصر السلاح بيدها....  وتعمل على تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي ١٧٠١ تنفيذاً كاملاً ....

وتسعى الى ضبط الحدود، ومنع التهريب بكافة أشكاله»، مؤكداً  أن «مواكبة الأشقاء العرب ودعمهم للبنان في مسيرة الإصلاح والسيادة هو عامل أساس في إنجاحها». 

إزاء كل ذلك وفي معرض تقييم المخاطر المحدقة بلبنان، هل يمكن التسليم بالمسؤولية الحصرية لرئيس الجمهورية في البحث عن إطار لتطبيق القرار الدولي؟ وهل يمكن تجاهل المسؤولية التي يلقيها الدستور على الحكومة وعلى القوى السياسية الممثلة ضمنها بإدراج هذا الموضوع على جدول أعمالها وفقاً للمادتين 64 و 65 من الدستور؟ 

خلال ندوة نظمها بيت المستقبل بالتعاون مع مؤسسة «كونراد اديناور» الألمانية تحت عنوان «تجاوز الإنقسامات: ندوة من أجل مستقبل لبنان»، تساءل النائب السابق وليد جنبلاط الذي كان مشاركاً في الندوة: «لماذا لا يزال تمثال الطاغية السوري حافظ الأسد حتى الآن في بيروت في إشارة  إلى نصب المسلَّة ــــــــ الذي يتبوأ الطريق الدولي من وسط العاصمة حتى مطار رفيق الحريري الدولي ــ السؤال الذي يطرح نفسه ههنا لماذا لم يطرح جنبلاط حتى الآن هذا الموضوع عبر وزرائه في مجلس الوزراء؟ 

يمثّل تساؤل جنبلاط النسق السائد لعدم  القدرة على إحداث قطع مع ماضٍ أليم عاشه اللبنانيون والمضي في التعايش مع تداعيات التسلط والهيمنة والإرتهان للخارج، ويمكن إسقاط تساؤل جنبلاط على الدولة العميقة في لبنان التي تبدو غير قادرة على مغادرة «نوستالجيا الإستبداد والقهر» التي عاشها لبنان ومنها سلاح حزب الله؟