المصدر: وكالة الأنباء المركزية
السبت 14 أيلول 2024 15:10:36
يبدو أن الأحداث والتحولات الجيوسياسية التي تجري في المنطقة على خلفية الحرب في غزة والتطورات العسكرية المرتقبة في شمالي إسرائيل ألقت ظلالها على الوضع في سوريا، فغابت عن الساحة الإعلامية وتحليلات الخبراء علما أنها في صلب هذه الحرب بدليل الضربات الإسرائيلية التي تستهدف المراكز التي يتواجد فيها قادة وعناصر حزب الله. إلا أن الصمت ورد الفعل يبقيان سيديض الموقف.
والشاهد على هذا الكلام مجزرة مجدل شمس التي قدمت نموذجاً عن انتقال حالة الترقب السلبي بما تعنيه من تخلي عن المسؤوليات الوطنية الى النظام السوري الذي تعامل مع ما جرى بمنتهى السلبية متجاهلاً مسؤولياته تجاه مواطنيه في الأراضي المحتلة الذين سقطوا نتيجة القصف. أيضا لم تُقدم الحكومة السورية على مطالبة قوات "الأندوف" المتمركزة في الجولان المحتل منذ العام 1974 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 350 بالتحقيق في أسباب سقوط الصاروخ على القرية وجلاء الحقيقة واكتفت بموقف سياسي يتهم إسرائيل بالهجوم.
الباحث في تاريخ الشرق الأوسط الدكتور مارك أبو عبدالله يشير الى أن الحرب في غزة التي اندلعت في 7 تشرين الأول 2023 أثبتت أن بقاء بشار الأسد على رأس النظام السوري ليس دليل قوة كما يحاول النظام وحزب الله إظهار ذلك من خلال البروباغندا المزيفة، بدليل أن سوريا لم تعد دولة ذات نفوذ في الشرق الأوسط بعد مرور 13 عاما على اندلاع الحرب فيها وبقاء الأسد ليس دليل قوة لأنه مرتبط بالدعم الروسي وحسابات إقليمية متعلقة بالصراع الدولي والأقليات".
حتى اليوم، لا توجد أرقام رسمية عن التوزيع المذهبي والعرقي في سوريا يقول أبو عبدالله "إلا أن النازحين السوريين الموزعين في دول تركيا ولبنان والأردن هم من الطائفتين المسيحية والسنية وغالبية النازحين المسيحيين وصلوا إلى أميركا الشمالية مما يدل الى ارتفاع نسبة العلويين في سوريا. وعندما نقول نسبة إنما لا يعني ذلك العدد".
هذا التحول الديموغرافي سيؤثر حتما على مستقبل سوريا "بحيث يشكل نقطة قوة لنظام بشار الأسد وسيمنح حزب البعث الورقة القوية عند حصول التسوية. لكن المفارقة يتابع أبو عبدالله أن بشار الأسد تحول إلى دمية روسية في ظل الدعم الكلي المعطى له وبالتالي فإن تأثير نفوذ الأسد سيبقى محدودا ومحصورا في سوريا وهذا واضح من خلال السقف الذي رسمه الروس في المنطقة وهي منع سقوط بشار ومنح إسرائيل حق المواجهة كونه يحقق هدفين للروس: الحد من النفوذ الإيراني في سوريا ودفع الأسد للتعلق والتمسك بروسيا".
الأكيد أن موسكو باتت مقتنعةً بأن بشار الأسد لا يمكن أن يكون جزءاً من الحل، لا بل هو أساس المشكلة ولا يمكنه أن يبني سوريا ولا حتى تحقيق مصالح روسيا، وبالتالي فالمطلوب منه استكمال المرحلة الحالية حتى يحين موعد إنهاء مهامه. والمؤكد أيضاً أن مشروع اللامركزية وكذلك الفدرالية هما عنوانا المرحلة المقبلة بتحقّق الانتقال السياسي، وخروج آخر عسكري أجنبي إيراني- روسي وأميركي وتوابعهم.
ورداً على ما يُقال ويُشاع حول الوجود الأميركي في سوريا، فإن واشنطن لن تنسحب من شمال شرق سوريا إلا بعد حصول شرق الفرات على ضمانات تحمي الوجود الكردي المستقل والأقليات المتحالفة مع الأكراد. لذلك تحاول كل قوة من هذه القوى استعادة أوراقها بدءاً من سوريا، حيث أبلغ الرئيس فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب اردوغان أن "كوباني" خطٌ أحمر روسي، كما أبلغ الجانب الأميركي الرئيس التركي أن منطقة شرق شمال الفرات حيث "قسد" خطٌ أحمر أميركي، وبالتالي ثمة تنسيقٌ أميركي- روسي مع قسد.
بشار الأسد باقٍ في السلطة بقرار أميركي – روسي، في ما الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، تؤكد استعدادها لإعادة بناء سوريا كما كانت قبل 2011 من دون الحديث عن النظام السوري، لأن همّ العرب هو الحفاظ على ما تبقّى من دولة وإعادة لمّ الشتات السوري وإنتاج حالة تغيير سياسي جذري، وفي نفس الوقت، طُلِب من الأسد الإسراع في بتّ المصالحة مع الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من أجل إنهاء فوضى المناطق الشمالية الذي تسبّبه الفصائل المتناحرة.
إلى الوجود الأميركي في سوريا، يؤكد أبو عبدالله أن روسيا التي أدخلت لغتها إلى نظام التعليم في سوريا كلغة ثانية ستحافظ على وجودها بعد التسوية المرتقبة في المنطقة والتي ستقوم على التوازن بين الدول الكبرى كما حال كل التسويات عبر التاريخ منذ اتفاقية سايكس بيكو. والمرجح أن لا يبقى للرئيس الأسد أي نفوذ أو تأثير دولي وهذا ما يؤكد أن سوريا بعد التسوية ستكون دولة ضعيفة ومقسمة وخاضعة لنفوذ دولي في ظل توازن في العلاقات مع الدول الكبرى. وهذا التوازن مفيد إلى حد ما للبنان الذي سيطاله التغيير بعد التسوية مع فارق أن في الأساس هو دولة ضعيفة مما يؤشر إلى تحولات جذرية"يختم أبو عبدالله.