صرّاف يسلب زملاءه مزوّراً صناديق عملة مصرف لبنان "المجلتنة"

للأشخاص الذين يبدلون مبالغ كبيرة من الأموال، يشترون الدولار أو يبيعونه، إليكم هذه النصيحة: إذا أتاكم مبلغ من المال "مجلتن" لا تظننا أنه مكفول مئة بالمئة. وللذين لم يفهموا معنى كلمة "مجلتن"، فهي عبارة متداولة بين الصرافين على مختلف الأراضي اللبنانية، للدلالة على صناديق الأموال التي تصل مختومة، وتتضمن مئات آلاف الليرات اللبنانية بأرقام متسلسلة، بما يؤشر إلى أنها خارجة مباشرة من مصرف لبنان إلى أيدي الصرافين، وبالتالي فإن صفقتها المعقودة لشراء الدولار هي لمصلحة مصرف لبنان أيضا.

 

تقاعد بعملية أخيرة

إلا أن أفكار النصب والسلب التي تكررت في شتورا، ومن خلال ساحة صرافيها في الأيام الماضية، آخذة بالتطور على ما يبدو، لتطال حتى هذه المبالغ ورمزيتها. وآخر عمليات النصب جرت مساء الخميس من خلال كمية من الأموال المفترض أنها "مجلتنة"، أحضرها أحد "صرافي الشنطة" المعروفين في ساحة شتورا والذي يسميه الصرافون هناك بالإسم، وهو من محافظة بعلبك، ومعروف بالتعامل مع جميع الصرافين بمبالغ كبيرة من المال.

 

إلا أن الصراف س.ي. على ما يبدو قرر التقاعد بعملية أخيرة يحقق من خلالها أرباحا طائلة قبل مغادرة البلد. فأعلن عبر المجموعات التي يستخدمها الصرافون لإتمام الصفقات فيما بينهم، عن حاجته لمبلغ 51 ألف دولار، وطرح الصوت لجمعه بين زملائه، إلى أن تجاوب أحدهم، فأحضر معه المبلغ وإتفقا على تبادله في ساحة شتورا.

 

لم يدخل س.ي. إلى أي من محلات الصيرفة التي كان يقصدها لإتمام صفقاته، بل قرر تبادل المبلغ بالخارج من سيارة إلى أخرى. ظنا منه أن كاميرات المراقبة لن تتمكن من رصده. أخرج من سيارته كمية صندوقين من الليرات اللبنانية "المجلتنة،" وقبض بمقابلها 51 ألف دولار من أحد الأشخاص الذين حضروا من بلدة سحمر. إلا أن الأخير، وفقا للروايات إشتبه بأحد الصندوقين، بعد أن لاحظ إختلافا بلونيهما، فقرر فتحهما، فما كان من س.ي إلا أن لاذ بالفرار، قبل أن يكتشف من وقع ضحيته بأن المبالغ "المجلتنة" كانت ملغومة بأوراق مطبوعة ومن دون أي حرفية، وضعت بشكل خفي بين مبالغ غير مزورة. 

 

العمل لصالح التجار والمركزي

الحادثة، كما يروي الصرافون، ستجعلهم لا يثقون ببعضهم البعض، ولا حتى بالأشخاص الذين إمتهنوا شراء الدولارات بليرات مصرف لبنان، وربما لا يثقوا بعد اليوم بمجموعاتهم، التي يبدو أنها إخترقت من قبل "نصابين" وأحيانا مجرمين، على حد وصفهم.

 

هذه الحادثة تضاف إلى أخرى، حصلت قبل أسابيع، ذهب ضحيتها محمد نايف رايد، الذي يعمل صرافا في شتورا أيضا، لا زالت ماثلة في الاذهان. وكان رايد وفقا لما تبين من خلال تفاصيل التحقيقات في طريق عودته إلى بلدته عرسال مع رفيقين له، بعد أن عرض كمية من الأموال التي عمل على تبديلها على أحد هذه المجموعات. وبالتالي فإن من إعترضوه يخترقون هذه المجموعات أيضا.

 

وفق المعلومات فإن الصرافين عموما يحتاجون إلى التعاون فيما بينهم عبر هذه المجموعات. وهي مجموعات يطرح فيها الصوت بمعظم الأحيان لتجنيد الصرافين في تلبية حاجات كبار التجار، وأحيانا لحاجة مصرف لبنان لتبديل العملة الوطنية بالدولار أو العكس. ويؤثر نشاط هذه المجموعات بشكل كبير في عدم الاستقرار الذي يعانيه سوق الصرف، خصوصا عندما تكون الأموال المطلوبة كبيرة.

 

ويقول الصرافون أن هناك عددا من الأشخاص، ومن بينهم س.ي. الذي نفذ عملية النصب الأخيرة، هم ممن يعملون مع كبار التجار ولمصلحة مصرف لبنان، وبالتالي، فإن الصرافين بحاجة إليهم لمساعدتهم في تصريف كميات الدولارات التي يجمعونها يوميا من خلال مصادر مختلفة.

 

غير أن اللافت أن صناديق الأموال "المجلتنة" التي يتحدث عنها الصرافون لا تتوقف حركتها في ساحة شتورا. فبينما كان أحد الصرافين يخبرنا عن الحادثة التي وقعت في الساحة، توقف ليرشدنا إلى وصول أحدى تلك الصناديق المحملة بالأموال الحديثة الطباعة. وتشكل هذه الفوضى السبب الرئيسي وراء تكاثر عمليات النصب التي بات يسمع بها يومياً في ساحة شتورا. وهي لا تقتصر على محيط ساحة شتورا التي تضم تجمع الصرافين، وإنما تمددت  قبل أسبوعين تقريبا إلى أحد مصارف شتورا لدى سلب مواطن مبلغ 50 ألف دولار من أمام بنك عوده الذي يتعامل معه. وهو ما يشكل مؤشرا إلى المنحى غير الآمن الذي بات يحيط بعمليات تبادل الأموال، بعد أن صارت كتلة السيولة المتوفرة بمتناول الناس ضخمة جدا، إلى حد إثارة الأطماع بأشكال مختلفة، وتهديد أمن المواطنين وسلامتهم، متى وجدوا في ساحات عمليات السلب أو النصب المنفذة.