عشرون عاماً من النضال والجراح: لبنان بعدسة الكاميرا

بدعوة من مؤسسة سمير قصير (سكايز)، تحتضن صالة Art on 56th في الجميزة – بيروت، حتى السادس من أيلول، معرضاً فوتوغرافياً بعنوان عشرون عاماً من أجل الحرية. يضم المعرض أعمال ثمانية مصورين محترفين، محولين الصورة إلى شهادة سياسية وسلاح في مواجهة النسيان.


وجع بلد وصمود شعب
المعرض الكثيف يوثّق مسار وطن وشعب في معركة طويلة لبناء دولة، بعدسات: جمال سعيدي، محمد ياسين ("لوريان لو جور")، ربيع ياسين، مروان طحطح، حسين بيضون، تمارا سعادة، حسن شعبان وكارمن يحشوشي. الصور تلتقط لحظات حاسمة: تظاهرات، اعتصامات، انفجار المرفأ، اغتيالات سياسية، وجروح بشرية وجماعية لا تزال مفتوحة.


بين الأمل والفاجعة
تتوزع الأعمال بين صور ضخمة تختصر مأساة وطن، وأخرى صغيرة بحجم "اللامبالاة الرسمية" تجاه المواطنين. توثق قضايا متنوعة: الاغتيالات (سمير قصير، لقمان سليم وغيرهما)، المفقودون في الحرب الأهلية، احتجاجات ضد الانهيار الاقتصادي ونهب المال العام، التهميش في عكار والبقاع والجنوب، نضال النساء لنقل جنسيتهن، أزمة النفايات، والجرائم البيئية وصولاً لاستخدام الفوسفور الأبيض في الحرب الإسرائيلية الأخيرة.
جراح في الجسد والذاكرة


الصور لا تحاكي الألم الجسدي فحسب – قتلى المرفأ، جرحى الانتفاضة، ضحايا التلوث – بل تكشف أيضاً الصدمات النفسية والجماعية. إنها تذكير بأن النضال لا يتوقف مع اغتيال ناشط أو صحافي، وأن الذاكرة قادرة على مواجهة محاولات المحو والتزوير.


"الصورة كبرهان وذاكرة"
أيمن مهنا، مدير مؤسسة سمير قصير، يرى أن "الصورة كانت دوماً شاهداً على نضالات اللبنانيين: من تظاهرات 2005 إلى مسيرات المساواة، ومن إعادة الإعمار بعد الحروب إلى انتفاضة المرفأ. إنها الدليل حين يسود الكذب".


المعرض يأتي في ذكرى مرور 20 عاماً على اغتيال سمير قصير، ضمن "مهرجان ربيع بيروت"، وبدعم من الخارجية السويدية. كما يسلّط الضوء على المنصة الرقمية الجديدة "صورة" (Souura) المخصصة للترويج لأعمال مصوري الصحافة اللبنانيين عالمياً.


الصورة فعل سياسي
محمد ياسين يؤكد أن "الصورة ليست انعكاساً للواقع فقط، بل مواجهته وكشفه وتثبيته في الذاكرة. أحياناً صورة واحدة أقوى من مقالة مطوّلة، لأنها تضرب المتلقي مباشرة في القلب".


أما جمال سعيدي (رويترز سابقاً)، فيعتبر مشاركته وفاءً لذكرى سمير قصير ودليلاً على استمرار الأزمة: "الصورة شهادة للتاريخ، توقظ الرأي العام وتفتح أفق الأجيال".
من جهته، يشدد القيّم على المعرض، المصور الفرنسي أرثور سارادان، أن "الصور المعروضة ليست تجميلية، بل فعل سياسي، أيقونات لذاكرة جماعية متنازع عليها في بلد بلا ذاكرة رسمية".


مهنة مثخنة بالجراح
المعرض يضيء أيضاً على واقع المصورين الصحافيين في لبنان، حيث يدفعون حياتهم ثمناً للحقيقة وسط ظروف اقتصادية قاسية وانعدام الحماية. كثيرون جُرحوا أو اعتُقلوا أو اغتيلوا – مثل عصام عبدالله وفراح عمر وربيع معمر في 2024 – فيما اضطر آخرون كجمال سعيدي ومروان طحطح إلى ترك المهنة أو الهجرة.
رغم التحديات – من الأجور الهزيلة إلى منافسة الصور "الهاوية" أو المولدة بالذكاء الاصطناعي – يثبت المعرض أن الصورة لا تزال أداة مقاومة، وذاكرة لا تُمحى، وسلاحاً في وجه النسيان.