علما الشعب تستعدّ للميلاد على طريقتها

قرّر من بقي في علما الشعب إطلاق عجلة التحضير للميلاد. بالطبع لن تكون هناك احتفالات وسهرات، فالظروف الأمنية لا تسمح، ستقتصر التحضيرات على عشاء بسيط وصلاة ودعاء، فجلّ أمنيات أهلها الصامدين أن يحمل الميلاد مفتاح انتهاء الحرب الدائرة، وذلك خلافاً للعام الماضي حيث أقيمت للمناسبة القرية الميلادية وعمّت الاحتفالات البلدة التي تصنّف سياحية، وتستقطب المئات سنوياً لإحياء العيد. تكاد تختفي حركة السيارات نهائياً في البلدة المطلّة على أكثر من موقع عسكري إسرائيلي، يتعرّض يومياً لعدد من هجمات «حزب الله»، ما زالت أثار القصف ماثلة على عدد من المنازل المقابلة لموقع الجرادية الإسرائيلي، سكان تلك المنازل غادروا البلدة بداية الحرب.

لم يترك رزق رزق الله البلدة، يرفض حتى إغلاق دكانه المقابل مباشرة للموقع، حيث كان يحلّق منطاد عسكري إسرائيلي في الأجواء. منذ بداية الحرب أو قبلها بقليل، أعدّ العدةّ للميلاد، اشترى كل الأغراض المطلوبة ووضعها في المستودع، ظنّاً منه أنّ العيد سيكون واعداً، لم يكن يخطر له ولو للحظة أن تطلق شرارة الحرب وتتبدّل الأحوال بغيرها، ومع ذلك يقول «سنحيي الميلاد مع من بقي من أبناء البلدة ممّن لا يتجاوز عددهم المئة»، ويرى في إضاءة شجرة الميلاد «بشرى تفاؤل ولو محدودة، فهي تعني لنا الكثير، الميلاد في حد ذاته هو بداية الحياة والسلام التي نسعى إليها».

على بعد أمتار منه يمضي جورج مع زوجته في المنزل، يتناولان الغداء كالمعتاد، ويعدّان العدّة للميلاد الذي يأتي حزيناً، على حدّ تعبيره. ويرى في الميلاد «رحمة ومحبة» ويبتغي منه «السلام والدعاء لانتهاء الحرب»، يؤكد أنه بدأ يعدّ للاحتفال بالعيد «لأنّه تقليد قديم لا يمكن التخلّي عنه، هو ولادة الأمل برجاء الحياة».

يتجوّل ميلاد عيد في ساحة الكنيسة، يتأمل الشجرة التي زيّنت بالحياة رغم أنف اسرائيل، يكاد يكون وحيداً في الساحة، كل سكان علما غادروها قبل أشهر، يقول: «إنّ للميلاد رمزية خاصة بالنسبة لنا، مهما حصل من أحداث وحروب سنبقى نحييه ولو اختلفت الطريقة»، ويرى أنه «رغم كل الظروف الأمنية والاقتصادية، سيبقى العيد حاضراً فينا، لأنّ الأرض لنا، والميلاد هو السلام الذي ننشده اليوم».

بالفعل، قالت علما الشعب كلمتها الميلادية، الميلاد سيبقى حاضراً ولو تحت القصف، فهو الروح الإيجابية المنتظرة، والأمل الموعود برجاء الحياة. وهذا ما أكّدت عليه أم إيلي، مصرّة على البقاء في علما وإحياء الميلاد ولو بسهرة عادية مع ابنها، فـ»كيف لا نحتفل بولادة رسول السلام والمحبة؟ فلو انهمر علينا القصف سنحيي ولادة من يبعث فينا الأمل والصمود»، وتشير الى أنّ الاحتفالات ستتركز أكثر على الصلاة لتنتهي الحرب ويعود أهل البلدة، وترى بصمودها في البلدة ميلاداً من نوع آخر. تنشغل أم إيلي بإعداد التبولة تحضيراً للغداء مع ابنها، لم تتخلّ يوماً عن عاداتها وتقاليدها، فهي راسخة في داخلها، كما تقول، ونقلتها إلى أولادها وأحفادها.

خارج المنزل يقطف إيلي حبات الجوز والليمون، يجلس بصحبة بعض أبناء البلدة، منذ بداية الحرب أقفل محله لبيع خبز الصاج، وينتظر بفارغ الصبر انتهاءها، يقول: «الظروف الاقتصادية صعبة للغاية تجعل الحياة معقدة في الحرب، ومع ذلك لن نتخلى عن حياتنا، سنحتفل ولو بشكل محدود، ولن يمنعنا شيء من التعبير عن أمنياتنا بالسلام والمحبة ورجائنا بانتهاء كابوس الحرب». لم تتخلّ علما الشعب عن عاداتها وموروثاتها، بل تحافظ عليها ضمن الإمكانات المتاحة اليوم، وما إعلانها بدء فعاليات الميلاد سوى تأكيد على صمود البلدة التي تستمدّ قوتها من السيد المسيح.