عون وسلام في مرمى التشكيك: من المستفيد من تعميم التخويف؟

تتكثف المخاوف اللبنانية حتى تكاد تبدو سياقاً  سياسياً لا هدنة فيه. تعمم أجواء القلق والتوجس من حرب شاملة، أو من تسويات تبرم فوق رؤوس اللبنانيين وتفرض كأمر واقع. يستسهل بعضهم الكلام عن "إعادة تلزيم لبنان إلى سوريا"، تماماً كاستسهال التشكيك المتزايد بالسلطة السياسية، تحديداً بالرئيسين جوزاف عون ونواف سلام. ووسط كمّ من التسريبات والتحليلات والتصريحات، يميل الرأي العام اللبناني، إلى تصديق السيناريوهات السوداوية، مستنداً إلى تجارب سابقة تعطيه كل أسباب التشاؤم.

بسرعة قياسية تراجع منسوب الأمل. وبعد موجة تفاؤل بـ"العهد الجديد"، رئاسة وحكومة، لاحت معها فرص للانقاذ، بدأت هذه الموجة بالانحسار في الأسابيع الأخيرة.

تعميم السلبية

لا يمكن إعفاء أداء السلطة من المسؤولية: تردد ورطانة وتكرار لخطابات لا تحمل ترجمات عملية، من السياسة وملفاتها الشائكة، إلى القضايا الحياتية وتعقيداتها وأعبائها المتزايدة، وصولاً إلى التعيينات الأخيرة التي أثبتت نجاح الرئيس نبيه بري في جرّ الرئيسين عون وسلام إلى ملعبه. ملعب هو "أستاذ" متمرس فيه.

ومع ذلك، فالانتقال السريع من البحث عن فرص الانقاذ، إلى تعميم المناخات السلبية والخوف والتخويف لا يبدو بريئاً تماماً. تخويف من انهيار أمني واقتصادي. تخويف من خرائط جديدة ترسم في الإقليم، ومن "تفاهمات كبرى" تفرض على البلد، تهدد وجود لبنان نفسه، بصيغته وحدوده الراهنة.

يتغذى هذا الخوف من هشاشة الداخل وتخبط السلطة ومن تصدعات المنطقة. لكنه، أيضاً، لا يخلو من توظيف سياسي يتقصده لاعبون داخليون، معظمهم شركاء في السلطة على طاولة مجلس الوزراء! .

سقوط الدولة...نهوض الدويلات

من المستفيد من تعميم الأجواء السلبية والمناخ الضبابي وإعادة الترويج لانعدام الأفق؟

بديهي أن تعكس الاجابات الانقسام الحاد في البلد. فيرى خصوم حزب الله أن "التخويف الممنهج والتصاعدي هو سياسة متعمّدة يلجأ إليها حزب الله كلما اقترب الحديث الجدّي عن سلاحه ووجوب تسليمه للدولة. فيخلق الحجج والذرائع للاحتفاظ بالسلاح، تارة خوفاً من الارهاب الآتي من سوريا، وطوراً منعاً لقضم أجزاء من لبنان. وبين هذه وتلك، يمرر رسائل إلى الداخل عنوانها ما قاله بالفم الملآن  نائب مسؤول منطقة البقاع في حزب الله فيصل شكر "للذين يرددون كلمات نزع السلاح...سننزع أرواحكم".

بالتالي، يرى خصوم الحزب أن ضخ أجواء مقلقة والتهشيم بقدرات المؤسسات، سواء السياسية أو الأمنية أو حتى الإدارية والمالية وغيرها، جزء من "سياسة إمعان القاء القبض على بيئة حزب الله، المنهكة أصلاً، وتحريضها على التمسك بالسلاح، واضعاف صورة الدولة ومؤسساتها ورجالها".

التشكيك بالعهد، رئاسة وحكومة، لا يطال الأداء فقط، بل يتجاوزه إلى التشكيك بالمشروع، كما بالأشخاص أنفسهم. "فمن ليس متواطئاً من المسؤولين ضد المقاومة - بحسب المضمر في خطاب حزب الله- هو، أقله، عاجز عن مواجهة الاملاءات والأجندات الخارجية".

 يخلص خصوم الحزب إلى اعتباره مسؤولاً أساسياً عن الأجواء المتوترة وإثارة الشكوك حول السلطة السياسية وضرب مصداقيتها لأنه "لا يريد للدولة أن تنهض. فنهوضها يعني انكفاء "دويلته" وخسارتها لمعظم أوراق نفوذها".

توظيف التهويل بالسياسة

تراقب الكنيسة بقلق تعميم التشكيك بالدولة ومؤسساتها ومسؤوليها. وهي ترى "تسرعاً غير بريء في التشكيك بقدراتها وبنوايا المسؤولين فيها". وينقل آباء التقوا رئيس الجمهورية مؤخراً "الحزم في تعزيز الاستقرار وبسط سلطة الدولة ومعالجة الملفات الشائكة. وهو يتعاون مع رئيس الحكومة والوزراء من أجل الدفع بالبلد قدماً وفق الأصول ومعايير المؤسسات". ويتخوف هؤلاء من " التهويل المقصود وتسريب أجواء تثير الريبة في نفوس الناس وتنعكس شللاً لا يخلو من توظيف سياسي. وكلما تراجعت الدولة قويت الدويلات، تلك التي تملك سلاحاً أو أجندات أو أوهام نفوذ وسلطة".

ويكشف بعض مطارنة الانتشار أنهم "لمسوا تفهم رئيس الجمهورية لكل هواجس الناس، وقد أكد لهم أنه يعمل مع رئيس الحكومة والحكومة على معالجتها. وأن تراكم سنوات من الأزمات وانعدام الثقة بين اللبنانيين، وبينهم وبين الدولة ومؤسساتها، لا يبنى بأسابيع أو أشهر قليلة ولا بد من التمسك بالأمل والعمل على ترجمته واقعاً، وهو ما سيحصل".