في القَضايا الكُبرى : "إمّا نَخسر الفرصة وإمّا نخسر المعركة "؟!

كتب المحامي انطوان القاصوف:

تَقولُ الحكاية : " إِنّ إعرابيّاً ، كان يبحثُ عن سَبَبٍ يَستَغِلُّهُ لِطلاقِ زوجتهِ ، فانتظرَ صعودَها سُلَّمَ المَنزلِ وعندما وصلت إلى وَسَطِهِ قالَ لها :
أنتِ طالقْ إِنْ صعدتِ
أنتِ طالق إِنْ نزلتِ
أنتِ طالقْ إِنْ وَقَفْتِ
فما كانِ من المرأةِ إلاّ أن إرَتمَتْ على الأرضِ ... فقال لها : فِداكِ أبي وأمّي ، إنْ ماتَ " الإمامُ مالِك " ، إِحْتَاجَ إليكِ أهلُ المدينةِ في أحَكامِهم "؟؟!!

   وقياساً ، نحن في لبنان ، إلى مَنْ نحتاجُ في حلِّ مشاكلنا ؟
إلى مثلِ هذه الإعرابيّة ؟
إلى الإمام مالك وقد قيل فيه : " أيُفتى ومالكٌ في المدينة " ؟
أو الى مًنْ أَثبتَتْ الأيّامُ صحّة مَقولته : " المشاكلُ في لبنان لا تُحلّ إنّما تُؤجّل " ؟

     معظم القوانين التي شرّعها نوابُ مجالسِنا النيابية المُتعاقبة ، كان " الإجتهاد " فيها أقوى من " النَصّ " ، خلافاً للمبدأ القانوني " لا إجتهاد في مجال النَصّ " وفي الحالتين : في القضايا الكبرى، إمّا نخسرُ الفرصة وإمّا نخسُر المعركة ؟؟!!
في انتخابِ رئيس الجمهوريّة : للنّص " نِصاب " وللإجتهاد " إنتصاب" فهلْ نسينا كيف أجابَ رئيس المجلس – في إحدى جلسات انتخاب الرّئيس – حين سُئِل عن المادة التي يُطبّقها : " مادِّة إِجرا من الشّباك " ليستشهِدَ على بَديهيّة الإتّهام بالجرم حتى ولو لم يكن هناك من مادة واضحةٍ تُدين ؟؟!!

 في صفةِ المجلس النيابي : قَبْلَ إتمامِ عَمليّة إنتخاب رئيس الجمهورية ، هل هو مَجلسٌ إنتخابي أم مجلسٌ تشريعي أم الإثنين معاً ؟!

 في صلاحيّةِ مجلس الوزراء : هَل يحُلُّ محلّ رئيسِ الجُمهورية في حالِ الفراغ الرئاسي فيكون رئيساً بعدّةِ رُؤوس؟ أم مَجموعة رؤوس في رأسٍ واحد؟أم لا رأس ولا رئيس ؟؟!!

 في الإنتخاباتِ البلديّة والإختياريّة : التّمديدُ لهذه المجالِس يحتاج ُإلى جلسةٍ      تشريعيّة ! وتأمين الإعتمادات لإجرائها يحتاجُ  أيضاً إلى جلسةٍ تَشريعيّة ! فكَيف إجتَهدوا وأمّنوا انعقاد الجلسة وأقرّوا التّمديد ولم يُقرّوا التّأمين ؟؟!!

بين النّصِ والإجتهاد ، يَعتمدُ حكّامُنا على " النعّروف " كما فعلَ ذلك العاملُ في إحدى المزارعِ ، حيثُ كان المطلوبُ منهُ أن يُميّزَ ويُفرّقَ بينَ النّعجة والخَروف ... ولأنّهُ ملَّ العَدّ وعَجِز عنِ التَّمييز وتَعِبَ مِن التّفريق ، أَطلقَ على الجميع إسم " نعروف "      لا نعجة ولا خروف ؟؟!!
وبينَ المُمكِن والمُستحيل ، تَفْشَلُ كلّ الحُلول ، ألَسْنا في بلدٍ : المُمكن فيه مُستحيل والمُستحيل فيه غير مُمكن؟! فبالرغم مِن قصّة الحُبّ حتّى العشق بينَ العصفور والسّمكة ، فلمْ يتمكّنا من الإقتران ، لأنَّ العصفور لا يُمكنُ أن يبنيَ عشّه في الماء ، والسّمكة يَستحيلُ عليها العيش خارجَ المَاء ... فكانت المَأساة ؟؟!!

 كانَ الأخضر الإبراهيمي ، رجل السّلام والسّاعي الى محاولةِ إنقاذ لبنان واللّبنانيين مِن حُروبهم ومآسيهم ، كلُّما سُئل عن موعدِ الحلّ المَنشود ، يُجيب : " في أقرب وقتٍ مُمكن ولكن ليسَ في وقتٍ أقرب مِنَ المُمكن ... " ؟؟!!

 بينَ النّص والإجتهاد ، بين المُمكن والمُستحيل ، بين الحلّ والتّأجيل ، بينَ مجلس انتخابي ومجلس تشريعي ، بين رأسٍ ورُؤوس ، بين مادّة دُستوريّة " ومادّة إجرا من الشّباك " ... يَعيش الّلبناني وَحيداً بائساً ، يَجلسُ مُنزوياً تَعيساً ، على مقعدٍ يَنتظر قطاراً لا يصل أبداً ... فالمحطّة التي كانت ... لم تَعُدْ ؟؟!!

 في الإنتظار المُستحيل ، العاقلُ إذا لم يُفكّر يُصبح مَجنوناُ ، والمَجنون إذا لم يُفكّر يُصبح عاقِلاً ... فإذا اعتمَدنا أنّ في الجُنون حِكمة فعلى الحُكماء أن يَعيشوا في المَصحّات، وإذا قبِلنا أنّ في الحكمة جنوناً ، فعلى المَجانين أن يَتسلّموا المسؤوليات ، وهكذا يُصبح الوطنُ عند الحُكماء مَصحّاً ، وعند المَجانين يُصبح المَصحّ وَطناً ؟! 

 فيا حُكاّمنا الزّعماء العُظماء العُقلاء الحُكماء وحتّى المجانين ، هل تَذكرون ، هل تَتذكّرون قول أفلاطون : " الشّخصُ الصّالح ُلا يحتاج إلى القوانين  لتُخْبِرَهُ كيفَ يتصرّف بمسؤوليّة ، أمّا الشّخصُ الفاسد  فسيجدُ  دائِماً طريقةً ما للإحتيال على القوانين ... ؟؟!!