كيف تُدار الدولة خلال سنة من الشغور الرئاسي؟

عجز المجلس النيابي اللبناني عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وموقع الرئاسة شاغر منذ ما يقارب العام. وبينما لبنان يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخه، تدار الدولة المتهالكة من خلال حكومة تصريف أعمال، لا تستطيع اتخاذ القرارات الضرورية، وهي لا تجتمع إلا نادرا وبعد توافق مسبق على جدول أعمال يقترحه رئيس الحكومة، وغالبا ما يتجنب جدول أعمال الجلسات المسائل المهمة، لأن الموافقة عليه تعتبر من مهام رئاسة الجمهورية، وصلاحية الرئيس حاليا منوطة ب‍مجلس الوزراء مجتمعا، وبالتالي فإن وزراء «التيار الوطني الحر»، الموالين لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون، لا يشاركون بأي أعمال سيادية بسبب عدم وجود رئيس، وهؤلاء يشكلون ثلث أعضاء المجلس.

 

وبينما مجلس الوزراء شبه معطل، يعاني مجلس النواب من مقاطعة غالبية النواب المسيحيين لأي جلسة تشريعية أو رقابية، لأنهم يعتبرون أنه في حالة شغور موقع الرئاسة لأي سبب كان لا يجوز لمجلس النواب القيام بأي مهام قبل انتخاب رئيس جديد، وهم بذلك على حق وفقا لنص الدستور، لكن الدستور ذاته لا يفرض أي قيود على تغيب النواب عن جلسات الانتخاب، وبالتالي فإن الفريق الآخر ـ لاسيما النواب الموالون لقوى الممانعة ـ يغادرون جلسة الانتخاب الثانية لتعطيل النصاب، كي لا يفوز رئيس للجمهورية بأكثرية النصف زائد واحد، وعندها سيكون من خارج خطهم السياسي كما بينت أرقام الاقتراع في الجلسات السابقة. وفي هذه الحالة، فإن مجلس النواب المنتخب حديثا هو الآخر معطل بينما الإنقاذ يتطلب تكثيف التشريع لإيقاف الانهيار.

 

أما حالة إدارات الدولة المختلفة، كما المؤسسات العسكرية والأمنية والقضائية، فهي في أسوأ وضع، وغالبية المواقع المتقدمة شاغرة، أو تدار بالوكالة، وهو ما يحصل في مصرف لبنان ومديرية الأمن العام ورئاسة أركان الجيش وقيادة الدرك ومجموعة واسعة من المديريات العامة في الوزارات المختلفة، كما في بعض المراكز القضائية الحساسة.

ولا تبادر الحكومة لتعيين أشخاص في هذه المواقع، رغم أن العرف الدستوري يعتبر هذه المهام ضرورية لتصريف أعمال الدولة، وعدم المبادرة سببه تركيبة الحكومة المحسوبة بالكامل تقريبا على «التيار الوطني الحر» وقوى الممانعة وبعض المستقلين، ووزراء التيار خصوصا لا يريدون للحكومة أن تقوم بمهامها في هذه الحقبة لأسباب مختلفة، منها المعلن، ومنها غير المعلن. لكن وزراء التيار يديرون وزاراتهم بدون أي قيود، كي لا نقول بدون أي رقابة، وهي وزارات حساسة، منها الطاقة والعدل والدفاع والخارجية، وهذه المرافق أساسية في حياة الدولة.

 

بالترافق مع الأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان ومحيطه، هناك من يتعمد تعطيل الدولة وإحداث فوضى لا مثيل لها، قد تهدد مستقبل الكيان، والأزمة تتفاقم، وفي كل يوم تبرز ملفات جديدة صعبة، لعل آخرها التوتر مع اسرائيل في الجنوب وملف تزايد عدد النازحين السوريين، ودخول بعض هؤلاء في انحرافات خطيرة، منها تجميع السلاح، ومنها تنفيذ أعمال مخلة بالأمن، برغم أن معلومات موثوقة تؤكد أن هذه الفئة من النازحين التي تقوم بأعمال مخالفة، ليست من المهجرين قسرا من سورية، بل من الذين يحصلون على حماية ورعاية من أحزاب لبنانية نافذة ومن أجهزة النظام.

 

يُطرح الاستهتار السياسي الذي تتعاطى به قوى أساسية تساؤلات كبيرة، منها: هل أن تدمير مؤسسات الدولة وإحداث فوضى هو هدف لهذه القوى؟ وهل بعض هؤلاء يريدون أن يكون لبنان ساحة مستباحة تناسب خططهم غير المعلنة لإلغاء وحدة الكيان؟ وهل أن الذين لا يريدون التعايش مع السلاح غير الشرعي ويرفضون الحوار، اتخذوا قرارا نهائيا بتفضيل فك الشراكة الوطنية على الوحدة الوطنية التي يهيمن عليها طرف مسلح واحد كما يقولون؟

 

أسئلة خطرة، في مرحلة أكثر خطورة، بينما لبنان يترنح وسط الأزمات الوازنة، وفي ظل توتر مع إسرائيل قد يتطور في أي لحظة.