لا بيئةَ حاضنةً لسلاح "حزب الله"؟

تأتي حادثة الكحالة بما تحمله من استهتار بمنطق الدولة لتُضاف إلى سابقاتها من صدامات ترتبط بسلوك وشرعية «حزب الله» في مسائل نقل السلاح وتخزينه ولتكشف أنّ المجتمع اللبناني بمختلف أطيافه أصبح رافضاً للتأقلم مع إصرار الحزب على إعلان تفوّقه على سائر اللبنانيين بالقوة المسلّحة واستباحة مناطقهم بتحركاته تحت عنوان «المقاومة»، لتعود الصورة الحقيقية للواقع وهي أنّه لا بيئةَ حاضنة لسلاح «الحزب» في لبنان سوى ما يفرضه على بيئته الشيعية من تطبيع عقائدي وسياسي ومالي...

صحيح أنّ «حزب الله» تمكّن من فرض الأمر الواقع على الدولة وجعل مؤسساتها الشرعية في حالة تطبيع معه، لكنّ التطبيع مع الشعب اللبناني ما زال في أعلى درجات الرفض والصدام، ويظهر هذا الرفض في ردّات الفعل الصدامية في مختلف المناطق التي تتعرّض للاحتكاك مع شاحنات «الحزب» الناقلة للسلاح عندما ينكشف أمرها فتتعرّض تلقائياً للاحتجاج الشعبي الرافض لاستخدام مناطقه كمنطلق أو معبر للسلاح، وهذا ما جرى بالضبط في شويا عام 2021 عندما اعترض أهالي البلدة من الموحِّدين الدروز على استخدام محيط بلدتهم لإطلاق الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة وحاصروا موكب الحزب المسلح بالراجمات ولم يخرج عناصره وآلياتُه إلّا بعد تدخّل الجيش اللبناني.

لا يمكن لوم الجيش على طريقة تعامله مع حادثتي شويا والكحالة، بل اللومُ يُلقى على سلطة سياسية قامت أحزابُها المشارِكة في الحكم بفرض أمرٍ واقع على المؤسسة العسكرية التي تخضع للسلطة التنفيذية وليست سلطة مستقلة بذاتها، وهي تعاني كما سائر المؤسسات الرسمية من هذا الواقع الناشئ عن التحولات السياسية وخضوع البعض لمنطق السلاح غير الشرعي ورضاه بوجود ثنائية الجيش والحزب مع إضافة لازمة الشعب كورقة التين لستر عورة تغوّل السلاح على الدولة.

يجب أن ينصبّ التركيز على كيفية تحرير السلطة السياسية من سطوة «حزب الله» لتحرير الجيش والقوى الأمنية من هيمنة معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» لاستكمال قدرة الجيش على معالجة هذا القدر الهائل من عدم التوازن الاستراتيجي والسياسي، مع التأكيد على أنّ الشرعية لا يملكها سوى الجيش مهما كانت ظروفه ومهما كانت حال القوى السياسية ووضع الحكم، ولو كان لدى حزب من الأحزاب 100 ألف مقاتل، فإنّ شرعيتهم منقوصة لأنّهم يتحرّكون خارج نطاق الدولة، فتركيبة الدول معروفة في تحديد قواعدها وشرعيتها مهما طغت عليها عوامل الهيمنة الخارجية.

لكنّ ما فعله أهالي الكحالة، وقبلهم أهالي شويا وأهالي عين الرمانة وأهالي خلدة في تصدّيهم لسلاح «حزب الله» يعطي التأكيد بأنّ حواجز التخويف التي اصطنعها «الحزب» لإخضاع اللبنانيين قد سقطت، وكانت النتيجة متوازنة حتى في الخسارة البشرية في واقعة الكحالة، وفي الطيونة وخلدة سقطت صورة «الحزب» الذي لا يُقهر وهذا ما يحصل كلّما اقترب من محاولة فرضه سطوته العسكرية خارج المناطق الشيعية. سأل أهالي الكحالة عن سبب نقل السلاح إلى جوارهم رغم وجود أماكن واسعة لتخزينه في الجنوب والبقاع، ليضاف السؤال إلى اسئلة القلق الأخرى المشروعة لدى أغلب اللبنانيين، خاصة أنّهم تعرّضوا لنيران هذا السلاح في وقائع كثيرة.

لم يحظ اغتيال القيادي القواتي الياس حصروني بالتغطية الإعلامية التي يفترض توفرها في مثل هذه الحالات، لكنّ اللافت أنّ إعلام الممانعة قام بتشويه الواقعة من خلال استبعاد العامل السياسي فيها رغم وضوحه، لكنّ استراتيجية هذا الإعلام لطالما اعتمدت على الصدمة الوقحة التي أنتجت نظرية أنّ سعد الحريري قتل أباه!

كما عمد إعلام هذا الفريق إلى بتر الحقيقة في واقعة الكحالة عندما أظهر لحظة إطلاق الياس بجاني النار على مسلحي الحزب، وشطب الإشكال عندما حضر الأهالي لحظة انقلاب الشاحنة مستطلعين مع إبداء النية للمساعدة ليفاجَأوا بظهور مسلحي «الحزب» الذين بادروا إلى تهديدهم واستفزازهم بإطلاق النار فردّ الأهالي برمي الحجارة وصولاً إلى تدخّل الراحل بجاني في الاشتباك.

تحت شعار رفض الفتنة يريد «حزب الله» إسكات جميع معارضيه، حتى عندما يتعرّضون للقتل وتُظهر الصور وتؤكد الاغتيال، كما جرى في حالة القيادي القواتي الياس الحصروني بعد كشف التحقيقات أنّه تعرّض لعملية تصفية محترِفة، لكنّ ما يمكن استخلاصه مما جرى يتلخّص بأنّه لا بيئة حاضنة لسلاح «الحزب» في لبنان وأنّ جدار الخوف منه قد سقط ولم يعد التهويل ينفع في إخضاع اللبنانيين.