لا خيار للبنان لتحقيق الاستقرار ووقف العدوان إلا بحل أزمة سلاح حزب الله

سؤال يجري تداوله بقوة منذ اعلان وقف اطلاق النار بين لبنان واسرائيل في 27 تشرين الثاني 2024: هل تشكل العودة لاتفاقية الهدنة بين لبنان واسرائيل لعام 1949؟ ام يمكن ان يدفع لبنان الى مفاوضات مباشرة مع اسرائيل من اجل التوصل الى التطبيع على غرار ما فعلته دولة الامارات ومملكة البحرين، ولحقت بهما كل من المملكة المغربية والسودان؟ ويبدو الآن ان الولايات المتحدة ستسعى مع كل من المملكة العربية السعودية وسوريا لضمهما للاتفاقيات الابراهيمية، وبالتالي تطبيع علاقاتهما مع اسرائيل.

تشكّل اتفاقية الهدنة معاهدة دولية، تتمتع بكل المواصفات التي حددها القانون الدولي، وهي بالتالي تلزم اسرائيل باحترام حدود لبنان المعترف بها دولياً، وهي في رأينا تسمو على كل الاتفاقيات التي جاءت بعدها بم فيها القرار 1701، المعدّل باتفاق وقف النار الاخير.دفعت هذه الحقيقة، الرئيس جوزاف عون أبان زيارته الى باريس في 28 آذار الماضي للعودة الى اتفاقية الهدنة من خلال قوله «ان لبنان يريد استعادة ارضه من اسرائيل والعودة لاتفاقية عام 1949»، واضاف الرئيس عون «اننا نحتاج الى محيط مستقر ومنطقة تنعم بالسلام، وإنهاء الحروب يحتاج الى نظام عالمي مبني على القيم والمبادئ». جاءت الغارات الاسرائيلية الاخيرة عشية عيد الاضحى المبارك لتؤكد مدى رؤية الرئيس عون لهشاشة اتفاق  وقف اطلاق النار مع اسرائيل والعودة الى تطبيق القرار الدولي 1701، بعد كلام الرئيس في باريس بات حديث العودة الى اتفاقية الهدنة مطلباً رسمياً لبنانياً، ووسيلة لوقف الاعتداءات المتكررة والتي تشمل البقاع وبيروت نفسها.

تنص المادة الثالثة من الاتفاقية على انه لا يجوز لأية فئة من القوات العسكرية البرية او البحرية او الجوية، العسكرية او شبه العسكرية التابعة لأيٍّ من الفريقين، بما في ذلك القوات غير النظامية ان ترتكب اي عمل حربي او عدائي ضد قوات الفريق الآخر، او ضد المدنيين في الاراضي التي يسيطر عليها الطرف الآخر. كما نشر انه لا يجوز لأي فريق ان يتخطى او يعبر خط الهدنة والذي يتبع الحدود اللبنانية بين لبنان وفلسطين. كما انه لا يمكن لأي طرف ان يدخل او يعبر المجال الجوي التابع للفريق الآخر او المياه الواقعة ضمن ثلاثة اميال من الخط الساحلي التابع للفريق الآخر.

في رأينا صُمِّمت اتفاقية الهدنة لتكون اداة في يد الامم المتحدة للامساك بالوضع الامني على جانبي الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين، ولتكون اداة لتحقيق الاسقرار، والامن بين لبنان واسرائيل. وهذا هو بالتحديد ما يحتاجه لبنان وليس وقفاً مطاطاً للتقارير.

والآن ما هي الاتفاقيات الابراهيمية وامكانية انضمام لبنان اليها، وما هي مصلحة لبنان فيها؟

بالرغم من توقيع كل من مصر والاردن اتفاقيات سلام مع اسرائيل عام 1978 و1994، جاءت «الاتفاقيات الابراهيمية» في اطار تفاهمات سياسية اتسمت بطابع استراتيجي.

تنص هذه الاتفاقيات على:
- اهمية الحفاظ على السلام وتعزيزه وترسي قواعد العيش السلمي بين اسرائيل واربع دول عربية: الامارات- البحرين - السودان والمغرب.
- ترسيخ الحوار بين الاديان والثقافات، من اجل ترسيخ السلام.
- التأكيد بأن السبيل الامثل لمواجهة التحديات يتمثل بالتعاون والحوار وتنمية العلاقات التي تخدم السلام الدائم.
- السعي الى ترسيخ قيم التسامح والاحترام لكل فرق ولتحقيق الحياة الكريمة.
- تعزيز التقارب بين الشعوب من خلال دعم العلم والفنون والطب والتجارة.
- العمل على القضاء على التطرف والنزاعات لتوفير مستقبل اكثر اشراقاً.
- مواصلة العمل من اجل تحقيق رؤية شاملة للسلام والامن والازدهار في الشرق الاوسط.
- الترحيب بالتقدم المحرز من اقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية بين اسرائيل والدول العربية الموقعة على هذه الاتفاقيات.

يعتبر معهد الاتفاقيات الابراهمية في واشنطن بأن الاتفاقيات قد حققت نقطة تحوّل جوهرية في علاقات اسرائيل مع عدد من الدول العربية، حيث بدأ مسار دبلوماسي لتطبيع العلاقات بين اسرائيل وهذه الدول.

يعتقد واضعو هذه الاتفاقيات بأنها ستمهد الطريق لإنهاء الصراع العربي - الاسرائيلي وتفتح الباب لمستقبل قائم على السلام والتسامح، مع بناء رؤية جماعية لتحقيق الرفاه والازدهار. وبذلك فهي تشكل ركيزة لعملية سلام حقيقية، وبالفعل فإن هذه الاتفاقيات اعادت رسم معالم الصراع العربي الاسرائيلي، وتحققت هذه الاتفاقية عن مباحثات قادها جاويد كوشنير وبدعم من الرئيس ترامب.

ان التطورات الهامة والخطيرة التي شهدتها المنطقة بعد عملية «طوفان الاقصى» في 7 تشرين عام 2023، وخصوصاً انتهاء حكم بشار الاسد في سوريا وتوجهات الحكم الجديد بقيادة احمد الشرع للعيش بسلام مع كل الدول المجاورة لسوريا، وخروج ايران منها وعودة حزب الله الى لبنان، بالاضافة الى الخسائر التي تكبدها في حرب اسناد غزة، تحرّر كلها لبنان من الالتزامات والمخاوف السابقة والتي كانت تؤدي للقول بأن «لبنان سيكون آخر دولة توقع السلام مع اسرائيل»، نعم وبواقعية سياسية فإن الظروف الراهنة ستفتح الباب للبنان للدخول في هذه الاتفاقيات، خصوصاً اذا ما دخلتها المملكة العربية وسوريا في المستقبل المنظور، والذي يبدو بأنه بات يرتبط ارتباطاً مباشراً بانهاء الحرب الاسرائيلية على غزة، والعودة لمباحثات حل الدولتين، وفقاً للموقف السعودي المعلن.

في الواقع ستشكل الاتفاقيات الابراهيمية اذا وقَّعها لبنان مدخلاً الى «السلام الدائم» والذي يبقى لبنان امنياً واقتصادياً بأمسّ الحاجة اليه، لكن يبقى في الاستنتاج العام خشية من ان يفشل لبنان في تحقيق الظروف المؤاتية للحصول على دعم الولايات المتحدة للضغط على اسرائيل للقبول بالعودة الى اتفاقية الهدنة لعام 1949.

اما بشأن الخيار الثاني المتعلق بالدخول في مفاوضات دبلوماسية مع اسرائيل للالتحاق بالاتفاقيات الابراهيمية، فإن القرار قد ينتظر عودة السعودية الى هذه المفاوضات ومعها سوريا. ان حصول مثل هذا الاختراق المزدوج سيكون كافياً لاقناع لبنان للتخلي عن كل هواجسه والذهاب للالتحاق بهذه العملية. من الامور المهمة ايضاً نجاح هذا العهد في اجراء الاصلاحات اللازمة لقيام دولة، ولحل مسألة سلاح حزب الله.