مأزق صحي يهدد حياة المرضى

مأزق صحي كبير يهدد حياة المرضى في لبنان، في وقت تستمر الجلسات الفلكلورية لانتخاب رئيس للجمهورية، وتبقى الحكومة غير قادرة على الانعقاد، وحجز المصارف لأموال المودعين.

الأربعاء اقتحم المودع وليد حجار، بنك «الاعتماد اللبناني» فرع شحيم، مع عائلته، لتحرير أمواله وعلاج زوجته المريضة بالسرطان.

هذا المشهد ما هو الا حلقة من مسلسل طويل من معاناة كبيرة تطول خصوصاً مرضى السرطان ومرضى الكلى، لاسيما مع توقف المستشفيات الخاصة عن استقبال حالات للعلاج مع تخلف وزارة الصحة عن دفع المستحقات المالية لها وهو أمر سيحرم المرضى من الاستشفاء ويزيد خطر الوفاة.

من حلبا في عكار شمال لبنان الى طرابلس ومنها الى مستشفى الكرنتينا في بيروت.

مسافة طويلة بالساعات تقطعها ليلى عياش (49 سنة) كل أسبوع بحثا عن دواء لاستكمال علاجها بعدما تفشى المرض في انحاء جسمها.

اكتشفت ليلى اصابتها بسرطان الثدي بالصدفة أثناء مرافقتها لجارتها المسنة إلى الطبيب قبل سنتين. لم تكن تشعر بأي أوجاع لكنها كانت تشكو من عدم قدرتها على ارتداء ملابسها بسهولة كما في السابق.

صورة الثدي الشعاعية أظهرت اصابتها بسرطان متقدم. تعابير وجه الطبيب أنبأتها بالنتيجة قبل ان ينطق بها.

بعد 3 أشهر من الانتظار، حصلت ليلى على موافقة وزارة الصحة لاستئصال الورم، لتبدأ رحلة العلاجات الشاقة والمتقطعة، بسبب ارتفاع الفاتورة الاستشفائية وشح الأدوية وعجز الحكومة عن توفير الدواء للمرضى.

سنتان من عذابات مميتة تروي ليلى تفاصيلها كأنها مدونة على ورقة أمامها، تتقطع بسبب نوبات بكاء عابرة مصحوبة بعبارة «الحمدلله على كل شيء».

التوقف عن العلاج

بعد خمس جلسات كيمائية توقفت ليلى مرغمة عن استكمال علاجها. فالأزمة المالية التي تعصف بلبنان كانت قد بدأت تنخر كل القطاعات ومن بينها قطاع الاستشفاء والأدوية المستوردة بمعظمها من الخارج.

آخر جلسة أجرتها ليلى قبل سبعة أشهر فيما كانت لا تزال بحاجة الى 9 جلسات أخرى. «اتكبد مشقة الانتقال من عكار إلى بيروت.. أستلف أجرة الطريق. وبعد انتظار لساعات في ردهة المستشفى يأتي الجواب نفسه «لا دواء»، تقول ليلى، مردفة: «أبكي وأشتم الدولة ومسؤوليها، وأعود إلى منزلي بأوجاع مضاعفة».

المورفين أو تحمل الألم

حال ليلى كحال كثيرين من مرضى السرطان الذين يتآكلهم الخوف والقلق من شح الأدوية وعدم انتظام العلاج، الامر الذي يهدد حياتهم ويقلص فرص الشفاء.

هي تعتمد اليوم على الأدوية المسكنة للآلام مثل حقنة المورفين التي تكلفها 35 دولاراً ما يوازي مليون و400 الف ليرة لبنانية، تستدين ثمنها من أقارب وجيران وفاعلي خير: «اذا بموت أمام باب الطوارئ لا يدخلونني إلى المستشفى قبل تسديد ثمنها». وبحرقة تقول «أخاف أن أموت قبل أن أسدد ديوني».

قبل أن يداهمها المرض، كانت ليلى تعمل في محل لبيع الأحذية في منطقة حلبا. ورغم معاناتها الصحية، تصر على البحث عن عمل. تقول انها طرقت ابواب جمعيات خيرية من أجل مساعدتها في فتح مشروع خاص بها يمكنها من استكمال علاجها برأسمال قليل لا يتعدى الـ 500 دولار يمكنني فتح وكالة لبيع الثياب المستعملة أو «البالة» كما يسمونها. فبسبب الأوضاع المتردية ازدهر سوق البالة في كل المناطق اللبنانية.

براد هدية.. ينتظر الكهرباء

قبل أيام حصلت ليلى على «ثلاجة» جديدة، قدمها لها فاعل خير.. لا تزال مغلفة. لم أستخدمها ابدا بسبب انعدام التغذية الكهربائية رغم الوعود بانه سيتم تحسين ساعات التغذية لتصل الى عشر ساعات في اليوم. وليس لدي اشتراك بالمولدات الخاصة «اذا ما معي اكل كيف بدي اشترك بالمولد؟».

تشاهد ليلة نشرة الاخبار عند جارتها علها تسمع خبرا مطمئنا عن توافر الدواء. تفرح لسماع الأخبار عن اقتحام المصارف من قبل مودعين يطالبون بالحصول على أموالهم لاستكمال علاج مرضاهم.

«لو كان لدي وديعة مصرفية ما كنت ترددت باقتحام المصرف»، قالت ليلى لـ القبس، تصمت للحظات مستدركة: «يخطر في بالي أن اقتحم وزارة الصحة ولو بمسدس بلاستيكي. لكن حين سألت عن ثمنه قيل لي انه يتجاوز 500 الف ليرة!».

تقلص فرص الشفاء.. وخطر الوفاة

قبل الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان عام 2019، كان عدد كبير من المرضى يعجزون عن دخول المستشفيات لعدم قدرتهم على دفع الفاتورة المترتبة على علاجهم، ومع الانهيار الذي ضرب كل القطاعات تفاقمت الأزمة وأصبح الاستشفاء حكراً على أصحاب الرواتب بالفريش دولار او الميسورين فقط.

وبحسب هاني نصار، رئيس جمعية «بربارة نصار» لدعم مرضى السرطان، هناك 30 ألف مريض سرطان سنويا في لبنان، و18 ألف حالة جديدة كل عام. ويقول نصار، الذي يتلقى يوميا اتصالات ورسائل من مئات الحالات، أن الدواء متوافر بالقطارة وليس لكل المرضى. وأن كثرا من المرضى يتوقفون مرغمين عن استكمال علاجهم ما يقلص فرص شفائهم ويؤدي لوفاة بعضهم.