لم تعد خافية حالة القلق التي تلف الوضع اللبناني، بعد تحذيرات الموفد الأميركي توم باراك المتكررة، عن إستعداد الإدارة الأميركية على ترك لبنان يواجه أزماته المتراكمة وحده، في حال فشلت الدولة في إنهاء ملف سلاح حزب االله، في فترة زمنية محددة، ووفق خطوات معلنة تُعيد ثقة الخارج بقدرة الدولة على فرض سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، وعلى إستعادة قرار الحرب والسلم.
ولا يُخفى على أحد أنه في حال قررت الإدارة الأميركية وقف مساعيها في ملف السلاح، ورافقتها الدول العربية بإدارة الظهر عن لبنان، فإن البلد سيكون أمام منعطف بالغ الخطورة تتجاوز تداعياته السياسية، إلى تهديدات مباشرة على استقراره الداخلي ومستقبله الاقتصادي.
فقد شكّل انخراط واشنطن في الوساطة بشأن ملف سلاح «حزب االله» نافذة أمل، وإن كانت ضيقة، لإعادة وضع هذا الملف الشائك على سكة المعالجة، في إطار تفاهمات سياسية تحقن الدماء وتعيد الاعتبار لمرجعية الدولة. وإذا ما انسحبت هذه الوساطة، فإن لبنان قد يدخل في نفق مظلم عنوانه تعاظم الاستعصاء، وعودة منطق الغلبة، وتآكل فرص الحوار الجدي بين الدولة والقيادات السياسية.
أما على الصعيد العربي، فإن إدارة الظهر للبنان، تحت وطأة الإحباط من الأداء الرسمي، أو بفعل تعثر الدولة في اتخاذ قرار سيادي حاسم بشأن حصر السلاح بيدها، تعني فعلياً خسارة العمق العربي التقليدي الذي شكّل لعقود رئة لبنان الاقتصادية والسياسية. وهو ما سينعكس مباشرة على المساعدات والاستثمارات، وعلى مجمل العلاقات الثنائية، ليُترك لبنان فريسة للانهيار الكامل، أو ساحة مفتوحة أمام المحاور الإقليمية المتصارعة.
وفي ظل هذا السيناريو القاتم، قد تعود مشاهد الفوضى الاجتماعية والانفجار الأمني، نتيجة انعدام الخيارات السياسية وانسداد الأفق الاقتصادي، خاصة مع تآكل ما تبقَّى من مؤسسات الدولة، وانعدام الثقة الداخلية والخارجية بأي مسار إصلاحي.
من هنا، فإن المسؤولية تقع على عاتق الدولة اللبنانية أولاً، التي لم تحسم أمرها بتنفيذ مضمون خطاب القسم وما ورد في البيان الوزاري، لا في مسألة السلاح، ولا في استراتيجية واضحة للخروج من المأزق الوطني. فالحلول المؤجلة والرهانات الخاطئة لم تعد تثمر إلا مزيداً من العزلة والانهيار.
إن الحفاظ على المساعي الدولية والإهتمام الأميركي والدعم العربي لا يكون بالتمنيات، بل بخيارات واضحة وشجاعة تعيد بناء الثقة وتفتح الباب أمام حلول واقعية تحفظ السيادة وتعيد للدولة هيبتها، قبل فوات الأوان.