ما تأثير اغتيال العاروري على حماس؟

أدى اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس، وأحد كبار قادتها، صالح العاروري يوم الثلاثاء في بيروت، إلى خسارة الجماعة أحد أمهر التكتيكيين فيها، والذي ساعد في نقل الأموال والأسلحة إلى نشطائها في قطاع غزة وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، ودمج حماس بشكل أكثر إحكاما، في شبكة القوات الإيرانية الملتزمة بمحاربة إسرائيل، وفقًا لما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن محللين.

لكن لم يكن من الواضح على الإطلاق يوم الأربعاء، بحسب التقرير، أن وفاته ستكون بمثابة ضربة موهنة للمنظمة، التي أعيد بناؤها مرارًا وتكرارًا بعد اغتيال قادتها، وظلت مرنة بما يكفي للتخطيط لهجمات 7 تشرين الأول.

ومع ذلك يقول المحللون، بحسب الصحيفة، إن مقتل العاروري يعيد حماس إلى وقت حساس للغاية.

حماس ستعاني

ويأتي ذلك في وقت أدى الهجوم الإسرائيلي الساحق على غزة إلى إضعاف القوة العسكرية لحماس هناك بشكل كبير، وفقاً للصحيفة، بما في ذلك قدرتها على تصنيع الصواريخ وغيرها من الأسلحة.

وأضاف التقرير أن منصب السيد العاروري، باعتباره سفير حماس الفعلي لدى إيران وحزب الله، يعني أنه كان سيلعب دورًا مهمًا في جهود الجماعة لإعادة البناء عسكريًا بمساعدة الداعمين الأجانب.

ونقلت نيويورك تايمز عن إميل حكيم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن قوله: "ستعاني حماس، لأنها فقدت أحد استراتيجييها الرئيسيين". "لقد كان شخصًا قام بإدارة العلاقات السياسية رفيعة المستوى بشكل جيد وكان يتمتع أيضًا بالمصداقية كقائد".

وأضاف حكيم أن إعادة بناء قدراتها العسكرية "ستكون مشكلة بالنسبة لحماس في المرحلة المقبلة، ومن المرجح أن تصبح أكثر اعتمادا على الدعم الأجنبي مع ضعف قاعدتها في فلسطين".

اغتيال العاروري، بحسب التقرير، يزيد من تدويل حرب إسرائيل ضد حماس، مما يزيد بشكل كبير من المخاطر بالنسبة للدول التي تستضيف مسؤولي حماس، ويفرض ضغوطا جديدة على الجماعة التي يمكن، إذا استمرت، أن تغيرها.

في السنوات الأخيرة، تقول نيويورك تايمز "عملت حماس كشبكة، لها نقاط في جميع أنحاء الشرق الأوسط."

 ومنذ عام 2007، أصبحت حكومة الأمر الواقع لسكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وتشرف على الخدمات مثل المياه والكهرباء بينما كان جناحها المسلح يقاتل إسرائيل بشكل متكرر.

كما تحرك نشطاء التنظيم سراً في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، بينما قام المسؤولون في بلدان أخرى بجمع الأموال لتمويل عملياته، وحافظوا على علاقاتهم مع حلفائهم ونقلوا وجهات نظرهم إلى الصحفيين والدبلوماسيين الأجانب، وفقاً للصحيفة.

ويشير مقتل العاروري إلى أن أعضاء حماس لم يعد بإمكانهم العمل بدون مخاطر في لبنان، حيث عقد مسؤولو حماس مؤتمرات صحفية متكررة طوال حرب غزة، "وقد يحتاجون أيضًا إلى توخي الحذر في قطر، حيث يوجد لدى كبار القادة السياسيين في الحركة مكتب، وفي تركيا، حيث يقضي كبار قادة حماس أوقاتهم بانتظام"، بحسب التقرير.

وقال حكيم: "سوف تتغير الحركة بشكل كبير".

لن يشل حماس

وتعتبر إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى حماس منظمة إرهابية، مما يحد من الأماكن التي يمكن لقادتها الذهاب إليها. وحتى الدول التي لم تحظر الجماعة قد تتردد، بحسب التقرير، في الترحيب بنشطائها، خوفا من الاغتيالات على أراضيها.

وتذكر نيويورك تايمز أن العاروري التقى بالمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، وأصبح قريباً من حسن نصر الله، زعيم حزب الله، وساعد في بناء قوات حماس في لبنان، على طول الحدود الشمالية لإسرائيل.

واستعادت الصحيفة تحذيرات نصر الله من أن "أي اغتيالات في لبنان ستقابل برد قوي"، وما قاله بعد يوم واحد من مقتل العاروري، حول ان الاغتيال "لن يمر دون عقاب".

ونقلت عن عماد السوس، باحث من غزة في مركز MECAM بجامعة تونس، إن فقدان العاروري لن يشل حركة حماس. وأضاف إن إسرائيل اغتالت العديد من قادة حماس على مدى عقود، دون تقويض قدرة الجماعة بشكل دائم على إعادة البناء، أو التخطيط لهجوم 7 تشرين الأول.

وتابع أن عمليات القتل هذه "جعلت الجماعة مرنة، وصعد قادتها إلى الصدارة من خلال الانتخابات وشرعيتهم داخل المنظمة، وليس بسبب الكاريزما الشخصية أو المؤهلات الدينية، وهي سمات يمكن أن تجعل استبدال القادة الأفراد أكثر صعوبة."

ولفت إلى أنه داخل حماس، "هناك دائما تسلسل هرمي معين، والاستبدال سلس للغاية، داخل حماس، الشخصية ليست مصدر القوة."

وعلى مدار عدة سنوات، عمل السيد العاروري في الغالب من الظل، على ترقية القدرات القتالية للتنظيم وإعادة توجيه موقعه في الشرق الأوسط الأوسع.

وقد أدت فعاليته المميتة إلى دفع الولايات المتحدة إلى تقديم ما يصل إلى 5 ملايين دولار للحصول على معلومات حول مكان وجوده، مما رفعه إلى أعلى قائمة القتل الإسرائيلية.

نكسة خطيرة

وكانت إسرائيل قد تعهدت بعد هجوم 7 تشرين الأول المميت بمطاردة قادة حماس أينما كانوا. وكان العاروري هو أعلى مسؤول في حماس يُقتل منذ بدء الحرب في غزة قبل ما يقرب من ثلاثة أشهر.

ونقلت نيويورك تايمز عن تحليل لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى يفيد أن "فقدان شخص يشارك بشكل وثيق في كل من العمليات التكتيكية والدبلوماسية الاستراتيجية يمثل نكسة خطيرة لحماس".

وأضاف المعهد أن العاروري "لعب دوراً حاسماً كواحد من جهات الاتصال الأساسية والأكثر فعالية للمجموعة مع كل من حزب الله وإيران".

وتطرقت صحيفة نيويوورك تايمز إلى الإعلان التركي عن اعتقال 33 شخصًا يشتبه في تجسسهم لصالح إسرائيل، شاركوا في "الاستطلاع" و"ملاحقة واعتداء واختطاف" أجانب في تركيا، بحسب ما قالت وسائل إعلام تركية.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أعرب عن دعمه لحماس وانتقد إسرائيل، حذر في وقت سابق من أن إسرائيل ستعاني من "عواقب وخيمة" إذا هاجمت أعضاء حماس في تركيا، بحسب الصحيفة.

ولم يعلن المسؤولون في قطر عن أي تغييرات في وضع مكتب حماس في بلادهم، وفق التقرير.

وقد تلقت حماس الدعم من إيران بعد وقت قصير من تأسيس الجماعة في عام 1987، لكن العلاقة توترت، بحسب الصحيفة، بعد أن أغلقت حماس مكتبها في سوريا، الحليف الوثيق لإيران، في عام 2012 وسط القمع الوحشي في سوريا للانتفاضة المناهضة للنظام.

وكان العاروري من بين مجموعة من قادة حماس الذين اعتبروا هذا القرار خطأ، وعمل بشكل وثيق مع يحيى السنوار، أحد القادة في غزة، لإعادة بناء العلاقات مع إيران وحلفائها الإقليميين، وفقًا لما نقله التقرير عن مسؤولين إقليميين ومحللين يتتبعون الأمر.

قال السوس من جامعة تونس: "كان موقف العاروري والسنوار هو أن المعسكر العربي غير مستقر ولا يمكننا الوقوف عليه". وأضاف: "لقد قرروا أن عليهم التحالف مع حزب الله وإيران حتى يتمكنوا من دعمهم عسكريا وماليا".

وقد تلقى هذا النهج دفعة في عام 2017، عندما تمت ترقية الرجلين في الانتخابات الداخلية لحماس. وأصبح السيد السنوار، الذي كان مقربًا من الجناح العسكري لحماس، قائدًا للجماعة في غزة، وارتقى السيد العاروري إلى ثاني أعلى منصب في حماس وتولى مسؤولية عملياتها في الضفة الغربية.

وقال السوس إن دور العاروري في بناء قوات حماس في لبنان يشير إلى وجود علاقة وثيقة مع نصر الله، زعيم حزب الله.

وتابع "مقاتلو حماس لا يعملون بشكل مستقل في لبنان، إنهم يعملون مع حزب الله، وهذا يعني أن نصر الله كان يثق بالعاروري بدرجة كافية للسماح له بفعل ذلك".