هل يوضع لبنان على اللائحة الرمادية لدول لا تكافح التبييض؟

كتبت سلوى بعلبكي في النهار: 

يسود الجمود القاسي الأسواق اللبنانية فيما "الدولرة" تجتاح كافة القطاعات توازياً مع تقلص مساحة التصدير الى الخليج العربي لأسباب سياسية وأمنية بما أدى الى انحسار واردات لبنان بالعملة الصعبة، وتعطلت فاعلية ما بقي من قطاعات، بعد إخراج القطاع المصرفي من وظيفته الشاملة، وتحوله الى معبر حوالات من وإلى الخارج، بعدما انتقل الاقتصاد برمّته، الى اقتصاد "الكاش".

وهذا ما دفع البنك الدولي، في تقرير للمرصد الاقتصادي للبنان، الصادر عن البنك في ربيع 2023، للتأكيد أن "الاقتصاد النقدي المدولر المتنامي، والمقدر في عام 2022 بنحو 9.9 مليارات دولار، أي نحو نصف حجم الاقتصاد اللبناني، يمثل عائقاً كبيراً أمام تحقيق التعافي الاقتصادي".

التقرير الذي حمل عنوان "التطبيع مع الأزمة ليس طريقاً للاستقرار"، تناول أحدث التطورات والمستجدات الاقتصادية الأخيرة، وقيَّمَ الآفاق والمخاطر الاقتصادية في ظل استمرار انعدام اليقين والجمود السياسي. وخلص إلى أنه "رغم ظهور علامات تطبيع مع الأزمة، لا يزال الاقتصاد اللبناني في حالة تراجع حاد، وهو بعيد كل البعد عن مسار الاستقرار، فضلاً عن مسار التعافي. وقد أدى فشل النظام المصرفي في لبنان وانهيار العملة إلى تنامي ودولرة اقتصاد نقدي يُقدَّر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في عام 2022. ولا تزال صناعة السياسات بوضعها الراهن تتسم بقرارات مجزأة وغير مناسبة لإدارة الأزمة، مقوّضة لأي خطة شاملة ومنصفة، مما يؤدي إلى استنزاف رأس المال بجميع أوجهه، ولا سيما البشري والاجتماعي، ويفسح المجال أمام تعميق عدم المساواة الاجتماعية، حيث يبرز عدد قليل فقط من الفائزين وغالبية من الخاسرين".

لا يمكن فصل تقرير البنك الدولي عن مسار بيان صندوق النقد الدولي الذي وصف مراكز القرار في لبنان بـ"اللافعل"، محذراً من الدولرة ومن ارتفاع وتيرة الانشطة غير المشروعة. وقد تكون العبارة التي استعملها تقرير البنك الدولي عن الوضع اللبناني وكررها أكثر من مرة بأنه أنتج "غالبية كبيرة من الخاسرين وعدداً قليلاً فقط من الفائزين" كافية لفهم خطورة القرارات غير المنتظمة والغريبة عن الأحكام القانونية والفريدة التي تتخذها الحكومة والمتجهة الى تطبيق خطة الظل الهادفة فقط الى ضرب حقوق المودعين"، وهذا "ما أدى وسيؤدي الى تعميق الأزمة على الشعب برمته لدرجة قال عنها البنك الدولي في تقرير سابق إنها متعمدة"، وفق ما يقول المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها المحامي الدكتور باسكال ضاهر لـ"النهار".

تقرير البنك الدولي، المتجانس مع بيان صندوق النقد، قد يكون وقعه قوياً على أعمال الاجتماع العام الرابع والثلاثين لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENAFATF)، الذي يُعقد في مسقط سطنة عمان، والذي قد يجري خلاله تقييم لبنان حيال التزامه بمعايير مكافحة تبييض الاموال وإمكان وضعه على اللائحة الرمادية. والخطورة على الدولة اللبنانية ليست بهذا التصنيف بحد ذاته، بل برأي ضاهر "بما قد يليه لاحقاً، أي بالقدرة على اتخاذ ما يلزم من إجراءات ترمي الى المعالجة الصحيحة ولا سيما في ظل الظروف الراهنة المعتمدة من الحكومة المعاكسة لذلك. وهذا الامر ينبئ أن لبنان سيكون عرضة للانزلاق أكثر باتجاه المنطقة السوداء". والمعلوم أن المجموعة تختص بتقييم امتثال الدول لإجراءات ومعايير مكافحة تبييض الأموال، فيما يجري تصنيف الدول غير الممتثلة ضمن لائحة رمادية، لإخضاعها للرقابة المشددة، أو لائحة سوداء تفرض إخضاعها لتدابير مضادة وصارمة.

أما في تفاصيل التقرير فقد نبه البنك الدولي من مخاطر "الدولرة". فالتقرير الذي حمل عنوان "التطبيع مع الأزمة ليس طريقاً للاستقرار"، خلص إلى القول إنه "رغم ظهور علامات تطبيع مع الأزمة، لا يزال الاقتصاد اللبناني في حالة تراجع حادّ، وهو بعيد كل البعد عن مسار الاستقرار، فضلاً عن مسار التعافي. وقد أدى فشل النظام المصرفي في لبنان وانهيار العملة إلى تنامي ودولرة اقتصاد نقدي يُقدَّر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في عام 2022. ولا تزال صناعة السياسات بوضعها الراهن تتسم بقرارات مجزأة وغير مناسبة لإدارة الأزمة، مقوضة لأي خطة شاملة ومنصفة، مما يؤدي إلى استنزاف رأس المال بجميع أوجهه، ولا سيما البشري والاجتماعي، ويفسح المجال أمام تعميق عدم المساواة الاجتماعية، حيث يبرز عدد قليل فقط من الفائزين وغالبية من الخاسرين". وكان ضاهر قد نبه عبر "النهار" من أن "الدولرة ستسبب أضراراً عميقة للمستهلك، وهذا ما حصل وأكثر"، لافتاً الى أن "قانون حماية المستهلك يمنع أي تسعير بالدولار ويعاقب المخالف بالسجن، وتالياً كان من الأجدى لوزير الاقتصاد أن يحتكم للنص القانوني بدلاً من تشريع مخالفته بقرار فاقد للمشروعية".

التقرير أشار بشكل صريح ومباشر الى مساوئ تعدد أسعار الصرف ومخاطر منصة صيرفة التي اعتبر أنها مثّلت أداة نقدية غير مؤاتية أدّت إلى ارتفاعات قصيرة الأجل في سعر صرف الليرة على حساب الاحتياطي والوضع المالي لمصرف لبنان، ولا سيما في غياب سعر صرف وإطار نقدي جديدين. وتحولت المنصة إلى آلية لتحقيق أرباح من عمليات المراجحة بلغت نحو 2.5 مليار دولار منذ إنشائها. فالحصول على الدولار المعروض على المنصة يحقق أرباحاً كبيرة وخالية من المخاطر نظراً لوجود هامش بين سعر العملة على المنصة وسعر العملة في السوق الموازية". والمنصة برأي ضاهر تناقض بشكل مباشر صلاحيات ردهة بورصة بيروت سنداً للمادتين 9 و10 من المرسوم الاشتراعي الرقم 120 لعام 1983.

وأمام ضعف النظام المصرفي، رأى البنك الدولي أن القرارات التي يتخذها النظام اللبناني غير مناسبة حتى لإدارة الأزمة، وهي تقوض أي خطة شاملة ومنصفة، وأدى ذلك الى استنزاف رأس المال ورسّخ انعدام العدالة الاجتماعية وسبب أضراراً على المواطنين، ورفع مسار الانشطة غير المشروعة وبات يمنع فعالية السياسة المالية والنقدية، لافتاً الى أن اعتماد الاقتصاد على الكاش رفع نسبة الانشطة المشبوهة من تهرب ضريبي وتبييض أموال". وهذا يعني وفق ضاهر أننا "نتجه بشكل حثيث الى الخروج من النظام العالمي، ولا سيما أن التقرير كان واضحاً في أن الاقتصاد اللبناني يتراجع تراجعاً حاداً، وهو يبتعد كل البعد عن مسار الاستقرار والتعافي. كل ذلك يدل على أن خطة الظل المعتمدة راهناً من الحكومة اللبنانية قد انعكست سلباً على الاقتصاد الوطني برمّته وقوّضت حكم القانون".