المصدر: نداء الوطن
الكاتب: مكرم رباح
الأربعاء 30 نيسان 2025 08:43:30
يستمر الجدل العقيم في لبنان حول السلاح الإيراني، مع عودة "حزب الله" ومؤيديه إلى اجترار المزاعم بأن سلاحهم "النظيف" لا يخضع لقرار مجلس الأمن 1701 المعدل، الذي وقّعه رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته ممثلاً للمجلس، وأيضاً كممثل لـ "حزب الله" نفسه. وبعكس ما يروج له "الثنائي الشيعي"، فإن من سعى إلى وقف إطلاق النار الأخير كان "حزب الله" نفسه، عبر استجداء المبعوث الأميركي آموس هوكستين، لقبول تهدئة بشروط إسرائيلية واضحة، شكلت هزيمة صريحة لمشروع عسكري إيراني طالما ادعى المقاومة والردع.
أي متابع أضاع نصف ساعة للاستماع إلى خطاب نائب الأمين العام لـ "حزب الله"، نعيم قاسم، يخرج بانطباع راسخ بأن "الحزب" ومحوره منفصلان تماماً عن الواقع. الادعاءات بالنصر والصمود في وجه إسرائيل ليست سوى أعراض مرض مزمن، أو دليل على امتهان التضليل والكذب السياسي، وهما في النهاية أمران متساويان في الخطر.
مناصرو هذا المحور، وميليشيات إيران في لبنان، يصرون على أن سلاحهم "المذهبي" مشروع، لأنه واجه إسرائيل، ولأنهم يمثلون ما يسمونه "إجماعاً وطنياً عابراً للطوائف". لكن الحقيقة أن هذا السلاح اليوم لا يختلف، في جوهره، عن عادة وأد البنات التي سادت في الجاهلية - أي طمر الطفلة المولودة حيّة في التراب. كانت تلك العادة تحظى آنذاك بإجماع أبوي قبَلي، كما هي حال سلاح "حزب الله" في بيئته الحاضنة، لكنها أصبحت، مع ظهور الإسلام، فعلاً شائناً ومداناً، بل جريمة يُحاسب عليها.
وهكذا، فإن السلاح الإيراني في لبنان قد بات من الماضي، ليس فقط بفعل الضربات الإسرائيلية التي قتلت كبار قادة "الحزب" - وفي طليعتهم أمينه العام - بل لأن هذا السلاح، بصيغته المذهبية والتبعية، تحوّل إلى جريمة بحق لبنان واللبنانيين، وعلى رأسهم جمهور "الحزب" نفسه. هذا الجمهور هو من دفع الثمن، تهجيراً وقصفاً وتدميراً، من دون أن يجد ملجأ أو حماية من "الحزب" الذي وعد، ثم خذل. بل كان اللبنانيون أنفسهم، وفي مقدمهم خصوم "الحزب"، هم من قدم الملاجئ والدعم.
السلاح ومن يحمله، لم يعد مجرد مشكلة سياسية، بل تحول إلى لعنة مطلقة على بيئة "حزب الله" قبل أن يكون تدميراً للبنان. من شاهد مناصري "الحزب" وهم يراقبون عن بعد غارة إسرائيلية على أحد مخازن السلاح - بمسافة 300 متر حسب تعليمات الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي - لم يستطع فهم ردّ الفعل: إطلاق نار ابتهاجًا، احتفالاً بالتدمير! وهو مشهد غريب ومربك، عجزت عن شرحه لأصدقائي اللبنانيين والعرب، الذين تساءلوا: لماذا يحتفل شبان لبنانيون بقصف أحيائهم ومنازلهم؟
هذه الفئة، كما قادتها - أو ما تبقى منهم - لا تحتاج إلى "حوار" كما اقترح الرئيس جوزاف عون، بل يحتاجون إلى علاج نفسي جماعي، وإنقاذ عاجل من منطقهم المريض، الذي لا يختلف كثيراً عن منطق الجاهليين الذين وأدوا بناتهم، ثم جادلوا في إنسانية فعلهم.
لبنان، بكل مكوّناته، وأولهم أولئك المهجّرون من الجنوب وضواحي العاصمة، أمام خيارين لا ثالث لهما: إما وأد هذا المخلوق المسمّى "حزب الله" سياسياً وعسكرياً، أو الاستمرار بتلقيه رصاصات إطلاق النار للمبتهجين بخراب الوطن، الذي لا يزال يعيش جاهلية سياسية ووطنية، لا تقل قسوة ولا عبثية عن الجاهلية الأولى.