واشنطن و"الحديقة الآمنة": الأمن اللبناني أولًا

دخل لبنان مرحلة الحسم على الصعد كافة. وتعطي أحداث المنطقة الانطباع بعدم وجود جزر معزولة عن جيرانها. وتترابط ملفات المنطقة بعضها مع بعض، لذلك لن يكون هناك حلّ لبناني بعيد عما يحصل في المنطقة.

زار الموفد الأميركي توم برّاك بيروت، واستلم ورقة الردّ اللبنانية. وقد تأخذ المسألة وقتًا لكن النهاية شبه معروفة.

سقطت أذرع الإمبراطورية الفارسية، وإيران بلا تلك الأذرع تصبح دولة إقليمية بفعالية محدودة وتسقط عنها صفة الإمبراطورية. ولم يعد بإمكان المسؤولين الإيرانيين التباهي باحتلالهم خمس عواصم عربية. سوريا تحرّرت، وسطوة "حماس" على القضية الفلسطينية تزول، وسقط "حزب الله" الحاكم في لبنان، وبغداد تفعل كل ما بوسعها لإبعاد كأس الحرب المرّة عنها، والحوثيون في اليمن يتعرّضون لأعنف الضربات، وبالتالي لم تعدّ طهران صاحبة نفوذ كبير في المنطقة العربية.

يترقّب الداخل اللبناني ما ستؤول إليه الأوضاع، وما إذا كانت الدولة اللبنانية "ستشدّ همتها"، أو ستظل متراخية وخائفة من "حزب الله" ومحور "الممانعة" الذي يُنعى يومياً من الذين كانوا في ركابه. وقد يأخذ "حزب الله" الشيعة وبقية اللبنانيين إلى مغامرة جديدة مسارها ونتائجها ستكون أسوأ من حرب الإسناد.

وإذا كان لبنان مرتبطًا بالسياسة العامة في المنطقة وخصوصًا بالملف الإيراني، إلا أنّ الواقع يدلّ على حصول تغير كبير على صعيد السياسة العامة. ويحاول "حزب الله" الإيحاء بما يملك من "بروباغندا" وبقايا رجالات مزروعة في السلطة، باستمرار الوضع على ما كان عليه قبل 27 تشرين الثاني الماضي، وبأنه لا يزال يتحكّم بمفاصل اللعبة الداخلية.

وتؤكّد مصادر مطلعة لـ "نداء الوطن" أن الجميع بات على علم بعدم امتلاك "حزب الله" عوامل القوة السابقة التي كانت متوافرة لديه. سقطت قوّته العسكرية بعد الضربات التي تلقاها في حرب "الإسناد". وحتى ماليًا لم يعد قادرًا على تمويل ذاته، فخطّ الإمداد المالي الإيراني جفّ، ومصادر التمويل الأخرى قد انتهت بعد سقوط النظام السوري.

والأهمّ لدى الولايات المتحدة الأميركية هو دخول لبنان في دائرة الإهتمام الأمني الأميركي، وأعلن توم برّاك عن تمسّك الرئيس الأميركي دونالد ترامب باستقرار لبنان ونهضته وعودته "سويسرا الشرق"، وإحلال الأمن في ربوعه.

وليس جديدًا على واشنطن الاستثمار في الأمن. وكل ما يحكى عن أطماع أميركية بنفط لبنان وغازه مُبالغ فيه، نظرًا لامتلاك واشنطن مفاتيح النفط العالمية، واستخراج النفط والغاز من بحر لبنان يتطلب وقتًا طويلًا.

ودخلت أميركا على خطّ الاستثمار الأمني في لبنان منذ فترة وتكثّف هذا الأمر منذ عام 2013. ويأتي الإهتمام بهذا الموضوع لأسباب عدّة أبرزها:

أولًا، الموقع الاستراتيجي للبنان على شواطئ المتوسّط، إذ إنّ الفوضى في هذا البلد قد تُلحق ضررًا بالمصالح الأميركية في المنطقة.

ثانيًا، وجود أكبر سفارة أميركية في الشرق الأوسط، وهذه السفارة لا تستطيع العمل في ظلّ الفوضى أو انتشار الجماعات المسلّحة.

ثالثًا، إهتمام واشنطن الأول والأخير بأمن إسرائيل، فأي فوضى لبنانية ستؤذي تل أبيب وتهدّد الحدود الشمالية، حتى لو كانت الجماعات لا تملك أسلحة ثقيلة وإمكانات ضخمة.

رابعًا، رغبة الولايات المتحدّة الأميركية بإبقاء لبنان حديقة آمنة وتحريره من النفوذ الإيراني ليتسنى لها الحركة بحرية ومن دون إزعاج.

وتأتي المساعدات الأميركية للجيش اللبناني على رغم العتب وعدم الرضا تجاه السياسيين، كمؤشّر لاستمرار استثمار واشنطن بالأمن، ومعها بريطانيا ودول حليفة. ويضاف إلى هذا الأمر التحرّك العسكري والأمني الأميركي الذي يحصل على الأراضي اللبنانية، ويعدّ مطار حامات أبرز دليل على الحضور العسكري القابل للتطوّر في أي لحظة.

أصبح لبنان داخل لعبة الأمم، ويبدو أنه الحلقة الأضعف فيها، وإذا لم تحزم الدولة أمرها، كما قال توم برّاك، فقد يفوت القطار البلد، وتسقط معه كلّ أحلام بناء الدولة، ومعها رغبة الأغلبية الساحقة من الشعب اللبناني في تحقيق الاستقلال.