وزير الإقتصاد: لا شروط تُفرض علينا وصندوق النقد يدرك موقفنا الرافض شطب الودائع

لا تملك وزارة الاقتصاد الكثير من الصلاحيات الدستورية التي تخوّلها قيادة وإقرار الحلول منفردة، ولكنها لم تتأخر في القيام بدور رئيسي ومتقدّم في مسار الإنقاذ، عبر الوزير عامر البساط، الذي شارك منذ اليوم الأول في مختلف الاتصالات واللقاءات مع المؤسسات الدولية، حاملاً وجهة نظر الحكومة، ورؤية رئيسها في ما يتعلق بالواقع المالي والمصرفي، وخصوصاً الرفض القاطع لعملية "شطب الودائع".

يحمل البساط حالياً، كما الحكومة، همّ إخراج الودائع من خطر الـ"هيركات" بالتعاون مع وزارة المال ومصرف لبنان. يحاول بناء مسار داعم لعودة المصارف بقوة وشفافية إلى السوق لإطلاق الاقتصاد مجدداً، والتخلص من اقتصاد "الكاش" المدمّر للانتظام الضريبي وسمعة البلاد، والتحوّل نحو حوكمة مالية ومصرفية، تعين لبنان على الخروج من اللائحة الرمادية، وتبعد عنه مقصلة اللائحة السوداء، أو أي تصنيفات دولية سلبية.

اللقاء مع الوزير البساط، أعاد طرح الأسئلة والمخاوف التي يعيشها اللبنانيون في يومياتهم ومعيشتهم، والبداية كانت من السؤال عن مآل مباحثات الحكومة مع صندوق النقد وطمأنته المودعين أن لا شطب للودائع؟

يستند البساط في ما قاله عن الودائع إلى الالتزام الذي أعلنه الرئيس نواف سلام بشأن شطب كلمة "شطب الودائع"، وتم تثبيت الفكرة انطلاقاً من الالتزام السياسي والأخلاقي المعلن، بمعزل عن المناقشات التي جرت مع صندوق النقد الدولي.

أما المباحثات مع صندوق النقد، التي انطلقت في شهر آذار، خلال زيارة وفد منه للبنان للاطلاع على المعطيات، فقد استؤنفت مناقشاتها خلال زيارة لواشنطن ضمّتني والوزير جابر وحاكم مصرف لبنان. وإذا استمرت المباحثات إيجابية، فربما يعود الوفد في شهر تموز، علماً بأن الملفات معقدة وشائكة، وقد لا يتم إنجازها حتى في تموز، لذا يرجّح استكمال المناقشات خلال الاجتماعات السنوية في تشرين الأول، فيما نعمل حالياً مع الصندوق على إعداد إطار متوسط المدى للاقتصاد اللبناني (Medium-Term Macro Framework). لا "شروط تُفرض علينا" يقول البساط، "نعمل على بلورة برنامج إصلاحي نحتاج إليه نحن أولاً وأخيراً. هذه إصلاحات ضرورية لانطلاق الاقتصاد اللبناني، ولا أحد يجبرنا عليها، بل علينا أن نقتنع بها ونعمل على تنفيذها. وإذا طُرحت علينا مطالب أو شروط لا تتماشى مع مصلحة الدولة والمجتمع، فسنرفضها بشكل واضح".

ويقول "صندوق النقد يدرك تماماً موقفنا الرافض لأيّ "هيركات" أو شطب للودائع، وسعينا نحو حلّ عادل يضمن استعادة الثقة بالقطاع المصرفي وإعادة رسملته. نحن لا نسعى إلى تدمير القطاع المصرفي أو القضاء عليه، بل نهدف إلى إنعاشه ومساعدته لاستعادة قدراته ومكانته في الدورة الاقتصادية، ليكون شريكاً للدولة في تحقيق النموّ، خصوصاً في ظلّ الفرص الاستثمارية التي تلوح في الأفق، مثل سوريا. نحن بحاجة إلى برنامج يُعرف بـ"إعادة التوازن"، يكون من جهة حلاً عادلاً للمودعين، ومن جهة أخرى، وسيلةً لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وتعزيز قوته وملاءته المالية. المبادئ واضحة، فيما التفاصيل لا تزال قيد الدراسة".

اللائحة السوداء

هل تعتقد أن إدراج لبنان على اللائحة السوداء الأوروبية هو تمهيد لإدراجه على اللائحة السوداء لمجموعة العمل المالي (FATF)؟ لا يربط البساط بين الأمرين، مع تأكيده أن "ما حصل يسلط الضوء على كيفية تعاملنا مع الاقتصاد النقدي (Cash Economy) والاقتصاد الموازي، وضبط الحدود والحدّ من التهريب والمعاملات المشبوهة، علماً بأن إعادة هيكلة القطاع المصرفي قد تسهم بالسيطرة على هذه الظواهر".

ملف التأمين

عمل البساط فور تسلمه وزارة الاقتصاد على ملف قطاع التأمين، وباشر بـ"إجراء جردة دقيقة وشاملة لكافة الملفات، وأحال بعضها إلى المدعي العام المالي بناءً على حساسيته".

بالنسبة إلى تعيين الهيئة العليا للضمان، يؤكد البساط أن "أسماء أعضائها جاهزة، وسيتم ذلك خلال أسبوعين، إذ لا يجوز أن ينفرد الوزير باتخاذ جميع القرارات. وأنشأنا هيئة استشارية غير رسمية، سيكون لها دور مهم في صياغة الاستراتيجيات".

وفيما يشكو المعنيون من التضخم الكبير في عدد شركات التأمين، أكد البساط "أن الأمر أصبح ضمن أولوياتنا، حيث ندرس إعادة رسملة القطاع وإعادة تقييم عدد الشركات، فالأمر يتطلب تدقيقاً شاملاً (audits) ووضع معايير دقيقة (barème) لإعادة الرسملة".

من المواضيع البالغة الأهمية التي يشير إليها البساط "مسؤولية شركات التأمين في إدارة الأموال المؤتمنة لديها، والتي تقارب المليار دولار سنوياً من أقساط التأمين. لذا من الضروري مراقبة كيفية إدارة هذه الإيرادات والأصول، لضمان الشفافية والكفاية".

النموّ الاقتصادي؟

شهد عام 2024 انكماشاً اقتصادياً حاداً بنسبة 7% نتيجة الحرب وتداعياتها. في المقابل، لاحظنا نموّاً إيجابياً في الفصل الأول من عام 2025 بنسبة 7% مقارنة بالفترة عينها من العام السابق، بما يشير إلى بداية تعافٍ نسبي في الاقتصاد اللبناني. وتالياً وفق البساط "نسبة النموّ الإجمالية تبلغ 1.5% مقارنةً بانكماش سابق بلغ 7%. وهذا يُعد تقدماً، وإن كنا لا نزال دون المستوى الذي كنا عليه سابقاً. علماً بأن الشهرين الأخيرين شهدا نوعاً من الاستقرار؛ فلم نعد نتقدم ولا نتراجع، بل دخلنا في حالة من الجمود، وذلك بعد الحراك الذي أعقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار وانطلاق العهد الجديد".

وتوقع البساط "إن كان الصيف واعداً، واستمر مسار الإصلاحات، أن تكون نسبة النموّ 3.5% في عام 2025. ورغم أن هذه النسبة لا تزال أدنى من مستويات ما قبل الانكماش، فإنها تُعد تقدماً على طريق التعافي. أما بالنسبة إلى التضخم، فهو لا يزال مرتفعاً، وقد بلغ هذا العام نحو 13%، جزء منه ناجم عن ارتفاع الأسعار العالمية، وآخر جراء تراكم زيادات الأجور الذي انعكس أيضاً على الأسعار. فالتضخم بدأ بالانخفاض مقارنة بالعام الماضي، حيث سجّل عام 2025 نسبة 15%. ورغم التراجع، لا تزال النسبة الحالية مرتفعة، ونطمح أن تصل نسبة التضخم مستقبلاً إلى 2 أو 3%، أسوة بالعديد من دول العالم".