المصدر: المدن
الكاتب: راغب ملي
الخميس 10 تموز 2025 11:50:00
شكّلت المقابلة التي أجراها الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، تحولاً لافتاً في الخطاب السياسي والإعلامي للحزب، لا سيما من حيث صراحتها غير المسبوقة في الحديث عن اختراقات أمنية وتقنية داخل البنية التنظيمية. وقد كشف قاسم عمّا وصفه بـ"الخرق الخطير"، الذي شمل اغتيال الأمينَين العامَّين السابقَين للحزب، حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، إضافة إلى عدد من قادة الصفَّين الأول والثاني ومسؤولين مركزيين، فضلاً عن كشف أماكن حسّاسة كان الحزب يتعامل معها بدرجة عالية من السريّة.
والاعترافات تلك، تعكس تبدلاً في أدبيات الحزب الذي تخلى عن المكابرة، ونزل الى مكاشفة الجمهور والإجابة على أسئلته وهواجسه، وهي صراحة لم يعهدها الجمهور خلال الشهور الثمانية الماضية، باستثناء مقابلة النائب السابق نواف الموسوي الذي خاطب الجمهور بما يسأل عنه. ويشير ذلك الى تحول لافت في أدبيات الحزب.
إقرار غير مسبوق
في هذه المقابلة، أقرّ قاسم للمرة الأولى على مستوى القيادة بوجود اختراقات متعدّدة، ليس فقط على المستوى الأمني، بل أيضاً على صعيد شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب والتي كانت السبب المباشر لأحداث السابع من أيار 2008 السوداء.
وقد أشار إلى أن العدو الإسرائيلي تمكّن من تنفيذ عملية رصد وتنصّت واسعة النطاق، امتدت على مدى سنوات، عبر أدوات متطوّرة وتكنولوجيا متقدمة. كما أوضح أن المتفجرات التي زُرعت داخل أجهزة "البيجر"، واستُخدمت في عمليات الاغتيال، كانت من نوع استثنائي يصعب كشفه بالوسائل التقليدية، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول فاعلية الإجراءات السابقة ويضع الحادثة في دائرة "التقصير أو القصور"، كما ورد في حديثه.
أدبيات خطاب جديدة
هذه اللغة المباشرة شكّلت خروجاً ملحوظاً عن الأسلوب الذي طبع خطاب الحزب في مراحل سابقة. وقد أثارت المقابلة تفاعلاً لافتاً بين جمهور حزب الله في وسائل التواصل، حيث رآها كثيرون مختلفة من حيث النبرة والمضمون، وأكثر قرباً من الوقائع الميدانية مقارنة بما اعتادوه سابقاً.
وعكست التعليقات والمناقشات في وسائل التواصل الاجتماعي تعدداً في المواقف والقراءات. فقد رأى عدد من المتابعين أن ما تضمّنته المقابلة يمثل خطوة نادرة من المكاشفة والاعتراف، تُعيد وصل ما انقطع بين القاعدة والقيادة، خصوصاً في ظل تراكم الإحباط داخل البيئة الحزبية على خلفية الاغتيالات الأخيرة والخروق الأمنية المتكررة.
في المقابل، أشار آخرون إلى أن هذا الإقرار، رغم أهميته، لا ينبغي أن يُختزل في الخطاب الإعلامي، بل يجب أن يقترن بمراجعة حقيقية للمسارات الأمنية والتنظيمية، خصوصاً أن الإخفاقات تمسّ البُنية العميقة للحزب. واعتُبر أن الاعتراف وحده لا يكفي إن لم يُتبعه تغيير فعلي في السياسات المتّبعة.
ومن جهة ثالثة، ظهرت فئة قاربت الحدث بشكل تحليلي، معتبرة أن ما ورد في كلام قاسم يعكس تحوّلاً في وعي القيادة لحجم الاختراق، مع بقاء الالتزام بالثوابت العامة للحزب. وقد فصّل بعض المتابعين في هذه القراءة، معتبرين أن الجمع بين الاعتراف بالإخفاق والتأكيد على ترميم الجهوزية، هو انعكاس لمرحلة جديدة عنوانها المكاشفة والضبط معاً.
خطاب منتظر
من اللافت أن كثيرين رأوا في هذه المقابلة حديثاً تأخر ظهوره، بعدما ظلّ الحديث عن الخروق أمراً نادراً في الخطاب الرسمي. وقد استُعيدت في هذا السياق تصريحات للنائب السابق نواف الموسوي، كان قد أشار فيها إلى ثغرات أمنية، لكنها في حينها وُوجهت بردود متباينة؛ بين من اعتبرها واقعية وبين من هاجمها باعتبارها "تشويشاً على صورة الحزب". أما اليوم، فتبدو ردود الأفعال مختلفة إلى حد كبير، وسط جو من الترقب لفهم أوسع لما جرى في الفترة السابقة، وما آلت إليه الأمور.
تبدو المقابلة، في مضمونها، خروجاً على اللغة التقليدية الخشبية، التي غالباً ما اتسمت بتأكيد "الجاهزية الكاملة" و"التحصين المطلق" مهما كانت الظروف. إذ كُسر الخطاب الحزبي المعتاد، الذي كان يستبعد الإخفاق أو يتجنب الإقرار به، لصالح خطاب أكثر واقعية، يتناول الثغرات بوضوح ويسمّي الأشياء بأسمائها. واعتُبر هذا التحول مؤشّراً إلى تغيّر في كيفية مقاربة التحديات المستجدة، لا سيما في ظل الحرب التكنولوجية والاستخبارية المتصاعدة.