الدولار المصرفي "مكانك راوح".. والحلّ عند الحكومة ومجلس النواب

اثنان لا يزالان يعانيان الضياع والبحث عن حل يأتي ليعيد الأمور إلى نصاب القانون والحقوق، ويعيد ما تيسّر أو بقي من دولارات جنى الأعمار "المبردة" في ثلاجات المصارف إلى مودعيها.

الأول، هو الدولار المصرفي الذي يبحث عن سعر صرف يرسو عليه، بعدما تقاذف المعنيون مسؤولية إصدار قرار تعديله من 15 ألف ليرة إلى أكثر أو أقل من 25 ألف ليرة. وثاني الضائعين هو مرجعية القرار في الدولة، خصوصاً في موضوع حسّاس ومصيري ويتداخل فيه الاقتصادي مع الإنساني مع القانوني والدستوري.

تقاذف المسؤوليات ورمي كرة قرار التعديل تارة عند مصرف لبنان، وتارة أخرى لدى وزارة المال، وأحياناً عند الحكومة، يحيل المراقب إلى حيرة غريبة وتساؤل، أليسوا جميعهم الدولة... والى من يلجأ المودع؟

المودعون يحتاجون إلى قرار، والمصارف تريد أن تعرف ما عليها من التزامات لزوم ميزانياتها، ومصرف لبنان يحتاج إلى إعادة برمجة حركة السيولة والإمساك جيداً بدفة التضخم، ووزارة المال وكذلك الحكومة لديهما التزامات أدبية تجاه صندوق النقد، فلماذا الانتظار؟ ومن يضع العصيّ في مسيرة التعديل؟

مصير الدولار المصرفي هو أكبر معضلات الاقتصاد اللبناني اليوم، وفق ما تقول مصادر مالية ومصرفية، وحسم مصيره وسعر صرفه ضرورة ملحة خصوصاً أن جميع عمليات السحب التي تتم حالياً على سعر 15 ألف ليرة، بعدما اعتمد مصرف لبنان سعر 89500 وأقرت الموازنة على السعر عينه، هي عملياً مخالفة للقانون وتتم على مسؤولية الساحب دون أي مسوغ قانوني.

ثمة اقتراحان يجري التداول بهما وفق المصادر، أحدهما اقتراح رفع سعر الدولار المصرفي من 15 ألف ليرة إلى 25 ألفاً، مع ما يعنيه ذلك من هيركات على الودائع بنسبة 72%. الاقتراح الثاني، هو توحيد أسعار الصرف كلياً، وإعادة إعطاء الدولار المصرفي سعره الحقيقي الذي يتساوى فيه مع سعر الصرف الفعلي في السوق، أي على سعر 89500 ليرة للدولار الواحد، وهو أمر يحتاج الى "كابيتال كونترول".

كلا الاقتراحين، وفق مصادر مالية ومصرفية، قابلان للتنفيذ، شريطة أن تجري بدقة قبل الشروع في التعديل، دراسة انعكاس ذلك على استقرار سعر الصرف، وتحديد حد أقصى غير مرتفع ومنطقي (قيل 50 دولاراً) للسحب الشهري، درءاً للتناقض مع استراتيجية مصرف لبنان في امتصاص السيولة، ومنعاً لتفلت التضخم ومعه سعر الصرف مجدداً.

لقاء الخليل منصوري؟

لم يخرج الدخان الأبيض أمس من لقاء الحاكم بالإنابة وسيم منصوري مع وزير المال يوسف الخليل، يبدو أن الطرفين اتفقا على إحالة القرار النهائي الى مجلس الوزراء مجتمعاً، إذ علمت "النهار" أن الحاكم بالإنابة، وإن لم يخصّص وقتاً كبيراً من زيارته للحديث عن الدولار المصرفي، بيد أنه أكد للخليل أن توحيد سعر الصرف محسوم لديه، ناصحاً إياه بعدم التوقيع على أي قرار في هذا الشأن ما لم يصدر بوضوح عن مجلس الوزراء. علماً بأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وفق ما تؤكد المعلومات لا يعارض طرح الموضوع على مجلس الوزراء ومناقشته داخل الحكومة، على أن تسبق ذلك معلومات من مصرف لبنان عن الإمكانات النقدية المتاحة لديه.

الى ذلك، تصر أوساط مصرف لبنان على موقف حاكم مصرف لبنان بالإنابة من الدولار المصرفي، وتؤكد أن لا علاقة لمصرف لبنان بتحديد سعر صرفه، فهو اعتمد سعراً موحداً للدولار 89 ألفاً و500 ليرة، ولن يتراجع عنه، وأي تعديل قد يطرأ في السياق لا علاقة للمصرف به. وتالياً تؤكد المصادر "ضرورة أن يصدر قرار في هذا الشأن عن مجلس الوزراء أو قانون من مجلس النواب، وهذا الامر أبلغه الحاكم لوزير المال ورئيس الحكومة، مؤكداً لهما أن مصرف لبنان عمل جاهداً لتوحيد سعر الصرف، ولن ينسف كل ما أنجزه في هذا الإطار".

واعتبرت أن "تحديد سعر صرف للدولار المصرفي مغاير للسعر المعتمد من مصرف لبنان يعود للحكومة ومجلس النواب، فإذا ارتأيا سعر صرف أقل أو بمعنى آخر "هيركات" للودائع فإن ذلك يتطلب قانوناً من مجلس النواب، أما إذا قرّرا اعتماد سعر الدولار الحقيقي فإن ذلك يجب أن يأتي في إطار قانون "كابيتال كونترول".

ولكن كيف يمكن للحكومة أو مجلس النواب أن يحددا إمكانيات مصرف لبنان وقدرته على تلبية حجم السحوبات المفترضة، لتحديد سعر الدولار المصرفي؟ تؤكد المصادر أن "هذه الأسئلة تقنية يمكن لمصرف لبنان الإجابة عنها، إذ ثمة أسئلة مشابهة تطرح يومياً على المسؤولين في "المركزي" خصوصاً عن كلفة الكتلة النقدية التي يمكن أن تطرح بالسوق في ما يتعلق بالفواتير التي تدفعها الدولة وكذلك في موضوع الرواتب. فهذا النوع من الاسئلة شكلي، أما المهم فهو المبدأ الذي يعتمده مصرف لبنان، وهو عدم المضيّ في تعددية سعر الصرف التي يرفضها الحاكم مع إصراره على عدم القبول بالحلول المؤقتة بل الحلول الدائمة بدل تأجيل المشكلة".

في المقابل أكدت مصادر متابعة، أن مصرف لبنان أنجز أرقاماً تتعلق بسيناريوهين لسعر الدولار المصرفي الأول وفق سعر 25 ألف ليرة حيث تبيّن أن الإمكانات المتوافرة للمركزي متاحة لسحوبات شهرية حدها الأقصى 1000 دولار على أن يدفع نصف المبلغ أي 500 دولار (12.500 مليون ليرة) عبر البطاقة المصرفية و500 دولار (12.500 مليون ليرة) كاش. وهذا السيناريو برأي المصادر "لا يؤدي الى انهيار سعر الصرف ويريح نوعاً ما المودعين". أما السيناريو الآخر فهو دولار مصرفي على سعر صرف 89 ألفاً و500 ليرة إذ لن يتعدى سقف السحوبات الشهرية 50 دولاراً شهرياً (نحو 5 ملايين ليرة). وتتوقع المصادر إذا تم اعتماد السيناريو الثاني أي السحوبات على سعر صرف 89 ألفاً و500 ليرة، أن يتهافت المودعون على سحب ما تيسّر لهم من أموال على اعتبار أنها لا تخضع لـ"هيركات".

وفي السياق عينه، أكدت مصادر متابعة لمسار الدولار المصرفي، أن البيان الذي أصدره وزير المال جاء ترجمة لاستيائه من تحميله مسؤولية عدم إقرار الدولار المصرفي ورمي كرة النار في ملعبه من دون أن يساعده في تلقفها أي من المعنيين في السلطتين التنفيذية والتشريعية وحتى السلطة النقدية. وتؤكد المعلومات أن الوزير الخليل كان حتى يوم أمس في تشاور يومي مع المعنيين لمعالجة الموضوع حتى إنه أخذ على عاتقه تحديد الدولار المصرفي في مقابل تزويده بمعلومات تقنية من مصرف لبنان حيال قدرته على ضخ كتلة نقدية في السوق إذا ما اعتُمد سعر صرف معين، وهو أرسل كتاباً في هذا الصدد للحاكم بالإنابة ليبني على الشيء مقتضاه، وكان ينتظر منه جواباً خطياً على تساؤلاته، لا أن يقتصر الأمر على الجواب الشفهي".

وقد سأل الوزير الحاكم عن حجم الكتلة النقدية التي يمكن أن يضخها مصرف لبنان وفق سيناريوهات عدة لسعر صرف الدولار المصرفي، ليعرضها الأول على مجلس الوزراء، وبناءً عليه يصدر وزير المال القرار موقعاً منه شخصياً، ويحيله الى مصرف لبنان لتنفيذه، على أن يلحظ القرار نصاً واضحاً مفاده "بناءً على المعطيات التي توافرت من مصرف لبنان، وبعد عرض الموضوع على مجلس الوزراء، يقرر وزير المال اعتماد سعر صرف محدد وبسقف سحوبات محددة".

وإذ أكدت أنه يمكن لوزير المال أن يصدر القرار بسعر الدولار المصرفي ويحدد سقف السحوبات من دون التشاور بالموضوع مع الحاكم، سألت: ولكن ماذا لو أن سقف السحوبات المحدد من وزير المال، لا يمكن لمصرف لبنان تحمّله؟

لا يمكن اتخاذ قرار بالدولار المصرفي من دون أن يكون لدى وزارة المال معلومات مفصلة عما يمكن لمصرف لبنان أن يوفره من كتلة نقدية، إذ إن ذلك كما جاء في بيان وزير المال "يتطلب دراسة دقيقة للمعطيات في ما يخصّ الإمكانيات المتوافرة لدى المصرف المركزي، حرصاً على عدم المس بالاستقرار المالي والنقدي من جهة، وحرصاً على ضمانة حقوق المودعين من جهة أخرى"...