بيان المركزي وعودة ودائع الدولار إلى أصحابها... جيسي طراد: طالما لا إجماع وطني على إرساء استقرار مالي عبثاً يحاولون!

بينما تلفح اللبنانيين رياح الذعر الرهيبة من المرحلة المقبلة، مع اقتراب رفع الدعم عن سائر ما تبقى من مواد غذائية عدا عن المالية، مع انتهاء شهر رمضان وبداية عطلة عيد الفطر، وقعَ بيان المصرف المركزي كحجر في مياه راكدة، اذ فاجأ المسؤولين وتفاجأ به المواطنون.
فَتَحتَ هدف "اراحة اللبنانيين"، اعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن مبادرة تقضي بالبدء بدفع الودائع ضمن شروط وظروف   (للاطلاع على المبادرة بتفاصيلها اضغط هناالأمر الذي أدى إلى بلبلة في صفوف الخبراء الاقتصاديين والمراقبين الماليين.

فقد جاءت هذه المبادرة محمّلة مسؤولية الازمة الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها اللبنانيون منذ حوالي سنة واكثر، الى الفراغ الحكومي الذي من جهته أفرغ لبنان من الاصلاحات المطلوبة ومن العلاقات الخارجية المرجوّة لكسب ثقة المجتمع الدولي وبالتالي انقاذ لبنان من الانهيار على الصعد كافة. كما انها جاءت في ضوء متغيرات سياسية بالغة الدلالات بعد موت المبادرة الفرنسية وصعوبة إنعاشها من جديد.

خطوة تبدّل الواقع الاقتصادي المحلي على وقع سعر صرف،  يصل الى إعلاه في يوم وإلى أدناه في يوم آخر، وخطوة تسرّع بالتطورات المالية ولا سيما بعد ان كان المنتظر هو ان يطلق مصرف لبنان المنصة الالكترونية التي سبق وتحدث عنها من اجل المساهمة في لجم التلاعب بسعر الصرف وها هو يطرح مبادرة كانت غير منتظرة. واذا ما افترضنا ان هذه الخطوة ستكون جدية، وستلتزم بها المصارف، فهل ستنجح فعلاً في اعادة الودائع للبنانيين كما يرجو هدفها المنشود؟

 

تشرح الباحثة والمحللة الاقتصادية جيسي طراد قسطون في حديث خاص لـ kataeb.org ان "حاكم مصرف لبنان يحاول اطلاع اللبنانيين على المسار الذي يحاول ان يسلكه المصرف المركزي في هذه المرحلة للحد من التقلبات الحادة في سعر الصرف والسيطرة عليه، اضافة الى انه يحاول ان يقول للمواطنين انه يعمل باطار مسودة مشروع الكابيتال كونترول التي سبق وتم تسريبها والتي ستناقش في المجلس النيابي.

اذاً يتم العمل على اظهار العمل المتجانس بين المصرف المركزي ومحاولات لجنة المال والموازنة لإقرار اطار قانوني لتقييم تحويلات رؤوس الاموال من جهة، وعلى ارساء الاستقرار في سعر الصرف من جهة ثانية".

كما  تصبّ هذه الخطوة ايضاً، بحسب طراد، في "اطار توضيح البيان او التعميم الذي كان قد صدر سابقًا من قبل مصرف لبنان متوجها ًفيه الى المصارف لاطلاعهم على ما تبقى من ودائع في النظام المصرفي اللبناني، قبل ثورة 17 تشرين وبعدها، وما كانت عليه هذه الودائع قبل العام 2016.

ورداً على سؤال عن مدى نجاح هذه الخطوة، شددت طراد على ان اساس المشكلة في لبنان سياسي بحت، معتبرة انه "طالما ان ليس هناك اجماع وطني على نهوض لبنان من انهياره المالي، وبالمقابل هناك بعض اللبنانيين يستفيدون من الانهيار الاقتصادي وهناك حدود متفلتة كما ان مصلحة سوريا تعطى الاولوية على حساب مصلحة لبنان، فكل المحاولات من اجل ارساء استقرار مالي معيّن في لبنان ستكون صعبة جداً، وعبثاً يحاولون".

وحول توقيت هذه المبادرة، ولا سيما انها اتت قبل نهاية الاسبوع وقبل اطلاق المنصة الالكترونية، اشارت المحللة الاقتصادية الى ان البيان "صدر بعد مراقبة حالتي الهلع والذعر اللتين سادتا نفوس المواطنين بعد تسريبات حول رفع مصرف لبنان الدعم، لافتة الى ان بيان المركزي تضمن تجديد التزام الاخير ببيع الدولارات على السعر الرسمي لكل الاعتمادات التي سبق ووافق عليها وبالتالي فان ما تم الاتفاق عليه مستمرّ.

انعكاسات مبادرة المركزي على السوق الاقتصادي

وفي السياق، اكدت طراد ان صندوق النقد سيقرأ خطوة سلامة ايجابًا، سيما وان  توحيد سعر الصرف عند مستوى معين ولو كان مرتفعاً يعتبر من متطلبات الصندوق وذلك تمهيداً لتعويم سعر الصرف حينما يدخل مساعداته الى لبنان. الا ان هذه الخطوة ستكون ذات فعالية اكبر حين تواكبها تشريعات من قبل المجلس النيابي.

وعما اذا كانت هذه الخطوة ستؤدي الى احتواء حالة التضخم من خلال تحرير الودائع، رأت طراد ان المنصة الالكترونية التي عمل عليها مصرف لبنان والتي تم ارجاء اطلاقها الى ما بعد عيد الفطر، بحسب قولها،  من شأنها ان تقوم بسحب فائض السيولة من الاسواق عبر آلية معينة وبالتالي السيطرة على الحركة التي شهدها السوق وهي تحويل كل الليرات التي ضخت في النظام المالي اللبناني الى دولارات، سواء أكانت للتخزين أم للاستهلاك.

 

من حق المودعين، اياً كانوا، كباراً او صغاراً، تحرير ودائعهم من المصارف بالعملة التي وضعوها فيها، واستعادة هذه الاموال كونها جنى عمرهم وأتعابهم. ومن حق اللبنانيين ايضاً التمسك بضوء صغير او فرج بسيط وسط عتمة الاحوال الظالمة والمظلمة التي يمرون بها في هذا البلد. فقد بات كل مواطن لبناني يخشى من الحصول على بقعة ضوء ولو كانت صغيرة، يخشى من ان يخسرها مرغماً وهو لا يدرك ماذا يخبئ له غده. وحتى يمر الوقت وتظهر  فعالية  مبادرة سلامة، وما اذا كانت خطوته هذه جدية وناجحة فعلاً في تحرير الودائع ام انها خسارة فوق خسارة، لا بد للبناني ان ينتظر... ويتأمّل!