المصدر: نداء الوطن
الكاتب: نايف عازار
الثلاثاء 8 تموز 2025 08:20:50
لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تاريخ حافل بالكباش القضائي داخل بلاده، كما مع العدالة الدولية. وإذا كان "بيبي" يضرب عرض الحائط بمذكرة التوقيف الدولية التي أصدرتها بحقه في وقت سابق المحكمة الجنائية الدولية لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة المنكوب، فإن القضاء في الدولة الإسرائيلية يسرق النوم من عينَي نتنياهو منذ عام 2019 عندما وجّه الادعاء الإسرائيلي إليه اتهامات بالرشوة والفساد وخيانة الأمانة، وهو ما ينفيها جملة وتفصيلًا، قبل أن تبدأ محاكمته رسميًا عام 2020.
في الأيام الأخيرة، كشف الإعلام الإسرائيلي إلغاء جلسات كانت مقرّرة لمحاكمة رئيس الحكومة، في أعقاب مشاركته في جلسة سرية في المحكمة المركزية في القدس، وهذا الإلغاء تزامن ودعم "صديقه الصدوق" قاطن البيت الأبيض، الذي جاهر بانتقاده الادعاء العام الإسرائيلي، عادًّا ما يفعله ممثلوه مع "بيبي" ضربًا من الجنون، ووصل به الأمر حدّ تلويحه بتعليق المساعدات الأميركية السخية لإسرائيل، خصوصًا العسكرية منها، في خضمّ الحروب متعدّدة الجبهات التي خاضها ويخوضها الجيش الإسرائيلي، في حال المضي في محاكمة "حليفه المدلَّل".
وهنا أثبت قائد سفينة "العمّ سام" أنه يقارب الملفات الدولية الشائكة في عالم السياسة من خلفية رجل الأعمال القلق على أمواله المستثمرة في منطقة مضطربة، فترامب يعتبر أن بلاده أنفقت مليارات الدولارات لرفد "حليفتها الأعزّ" في المنطقة تل أبيب بأعتى الترسانات العسكرية والذخائر، لذلك يريد جني ثمار هذه الأموال، الخارجة من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين، باتفاقات سياسية تكبح جماح الحرب في غزة، وتشكل انطلاقة لتوسيع مروحة الاتفاقات الإبراهيمية. وهنا يعتبر الرئيس الأميركي أن الإجراءات القضائية تكبّل نتنياهو وتؤثر على قدرته في إبرام اتفاقات مع أعدائه وجيرانه، ويكون بذلك "العرّاب الأميركي" خسر استثماراته العسكرية وأخفق في تحقيق أهدافه التطبيعية في المنطقة، علمًا أن دعوة ترامب الأخيرة لإلغاء محاكمة حليفه لم تكن الأولى من نوعها.
صورة نرجسية لشخصية نتنياهو
موقف ترامب الداعم لنتنياهو سرعان ما تحوّل إلى مادة تجاذب سياسي في الداخل الإسرائيلي، معمِقًا الهوة السحيقة أصلًا بين القضاء والسياسة، وبحسب المحلّلين الإسرائيليين، فإن دعم الرئيس الأميركي القضائي المطلق لرئيس الحكومة لم يكن مجرّد لفتة شخصية، بل أعاد التذكير بأن الأزمات الشخصية لنتنياهو قد تتحوّل إلى عنصر تفاوض إقليمي في صراعات المنطقة الساخنة.
كما اعتبر بعض الأقلام الإسرائيلية أن محاكمة "بيبي" تكشف النقاب عن قائد يشكل خطرًا على الإسرائيليين، وتعكس صورة نرجسية لشخصية رئيس الحكومة أثناء جلسات محاكماته، متحدّثة عن مجموعة من السمات والسلوكيات التي ترسم ملامح قائد يهدّد نظام الحكم. ورأى بعض الكتاب أن نتنياهو لم يكن تحت قوس المحكمة رجل دولة يواجه تهمًا جنائية تتعلّق بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة، بل "بدا كما لو أنه استَدعى من مخزون مهاراته السياسية أسوأ أدوات التلاعب بالوعي، من التهكّم والسخرية إلى الإنكار والمظلومية، وصولًا إلى الترويج لواقع بديل يتنكر للحقائق".
هل يقتدي سياسيو لبنان بعدوّهم؟
لا ريب في أن نتنياهو، الذي تربّع على عرش الحكومة لأطول مدّة متقطعة في تاريخ إسرائيل والتي بدأت في منتصف تسعينات القرن الفائت، يتقن فنّ الهروب من واقعه القضائي الأليم، بركونه إلى الحروب اللامتناهية، وقد شكّلت له هجمات 7 أكتوبر 2023 ذريعة مثالية لإطلاق العنان لآلته العسكرية على أكثر من جبهة، وباتت هذه الجبهات تشكل له "دروعًا قضائية" تقيه "شرّ المحاكم"، وراح يتعمّد إطالة أمد الحروب، لأنه يدرك خير إدراك، أن وضع الحروب الإسرائيلية أوزارها بشكل كامل قد يودّي به من مقرّ رئاسة الحكومة إلى ما وراء قضبان السجن.
ويبقى أن نتنياهو الذي يتحدّى خصومه الداخليين، و"يُخيف" الشرق الأوسط وألدّ أعدائه الخارجيين بـ "عصا" تفوّقه العسكري، يخاف هو نفسه من القضاء الإسرائيلي، ما يثبت أن الدولة الإسرائيلية، وإن كانت دولة عدوّة، هي دولة ديمقراطية يخضع فيها رئيس أعلى سلطة سياسية وتنفيذية للمساءلة القضائية والمحاكمة، بعكس ما هو حاصل في بعض الدول المحيطة بها، حيث يُسخَّر القضاء لخدمة الطبقة الحاكمة. فهل يقتدي مثلًا السياسيون اللبنانيون المطالبون بالمثول أمام القضاء في جريمة تفجير مرفأ بيروت، بعدوّهم نتنياهو، ويجرؤون على المثول أمام المحاكم اللبنانية؟