المصدر: النهار
الكاتب: روزانا بو منصف
الأربعاء 23 تموز 2025 07:25:39
ساهمت الحوادث المأسوية الأهلية في السويداء أخيرا في تشظي مفاعيل خطرة للمخاوف التي أثارتها عبر دول الجوار، إن لم يكن أكثر. عزز ذلك قول المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك إن إسرائيل التي فاجأت البيت الابيض باعتداءاتها على سوريا، وفق ما نقل عنه، تُفضّل رؤية سوريا "مُفككة ومُقسّمة"، على أن تكون دولة مركزية قوية تُفرض سيطرتها على البلاد.
في العراق هيمنت أحداث سوريا على ملف أسلحة الفصائل الشيعية التي يتم العمل على حصر سلاحها ضمن الدولة،
فيما لم تخف تركيا الصديقة للنظام السوري وأبرز داعميه، قلقها من استغلال "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) تطورات السويداء من أجل الانخراط في تفعيل خطة تقسيم سوريا. أما "حزب الله" في لبنان الذي تضغط الولايات المتحدة ومعها المجتمع الإقليمي والدولي من أجل نزع سلاحه، فاستقوى بورقة التطورات السورية للتذرع بإضافة أسباب جديدة للتمسك بسلاحه ورفضه تسليمه إلى الدولة.
والذريعة الأبرز في هذا الإطار مواجهة "أدوات داعشية على الحدود الشرقية"، على قول الشيخ نعيم قاسم، وما يستتبعها من حتمية الدفاع عن "الأقلية" الشيعية وتحفيز الأقليات الأخرى على فهم الأسباب أو المبررات لاحتفاظ الحزب بسلاحه لهذه الغاية.
تبين هذه التطورات أن الوضع السوري معقد وأصعب بكثير منه في لبنان. وقد استعجل اللبنانيون الاستنتاج أن سوريا ستسير بسرعة أكبر من تلك التي سيسير بها لبنان، معززة بدفع أميركي على لسان الموفد توم برّاك في زيارته الثانية لبيروت، من ضمن تقديره الخطوات الجريئة التي يقدم عليها النظام السوري.
ليس هناك منافسة في الواقع بين لبنان وسوريا لأن الوضع في لبنان مختلف، ومشكلته أصغر ويتكيف بسرعة أكبر، وما يحتاج إليه هو إعطاء ثقة أمام الخارج بقدرة مسؤوليه وإرادتهم على الرغبة في النهوض وإنقاذ المؤسسات اللبنانية. فيما مشكلة سوريا أنها دولة كبيرة ومؤسسات تتطلب الكثير لتعود وتنهض، بالإضافة إلى مجموعة سيطرت على السلطة وتريد السيطرة على المؤسسات.
هذه إحدى نقاط الضعف لدى الرئيس السوري أحمد الشرع، إذ لم يبن على أن هذه المؤسسات موجودة لإعادة تفعيلها، بل فضّل السيطرة عليها وإدماج عناصر موالية له فيها، فيما اقتصاد سوريا منهار وشعبها مشرد وهناك مجموعات مسلحة وكثير منها ضده، علما أن قدرته على ضبط القوى الموالية له موضع تشكيك. إلا أنه يمتلك في المقابل قدرة على الإقناع ويوحي أنه قادر على التجاوب أيضا. والواقع أن هناك حاجات للاستقرار السوري تتوافر لها مجموعات تستثمر في ذلك عن اقتناع أو عن ضرورة، لكن دولا إقليمية عدة لا ترغب في مستنقع تطرف جديد في المنطقة ولا في عودة إيران إلى سوريا، ولا تمدد تركيا بحيث يتاح لتيار "الإخوان المسلمين" أن يقوى، على نحو مشابه لتمدد إيران السابق في سوريا واحتمال ترك فراغ تعيد من خلاله تسليح "حزب الله".
هذه عينة من الأسباب التي ساهمت في إقناع الدول العربية الولايات المتحدة بدعم النظام الجديد في سوريا، فيما لإسرائيل حسابات أخرى، فهي لم تتحرك لنصرة العلويين في الساحل السوري قبل أشهر قليلة، ولا يعتقد أن رد الفعل الذي قامت به إزاء الدروز يمكن أن تقوم به من أجل العلويين أو المسيحيين مثلا، لأن التعرض للدروز له اعتبارات داخلية إسرائيلية مرتبطة بالجيش الإسرائيلي، إضافة إلى عدم رغبة إسرائيل في تغيير ديموغرافي على الحدود معها.
ما يعنينا في لبنان وسط المخاوف التي أثارتها حوادث السويداء والتي غدت ورقة جديدة لدى الحزب في ظل مصلحته في تخويف اللبنانيين من سوريا ورفع سقف تمسكه بالسلاح، احتمال بروز مخاوف لدى طوائف أخرى مماثلة لمخاوف الحزب، فتلجم المطالبات بنزع سلاحه من جهة، وربما تدفع إلى التفكير في وجوب التحسب للتسلح للمحافظة على الوجود في مواجهة التهديدات المحتملة من جهة أخرى، أو تكتفي بإقناع بعضها نفسه بأن الحزب سيحمي الأقليات أو ما شابه. ومعلوم أن ردة فعل مختلف الأفرقاء السياسيين على ذلك لم تسقط في هذه المبررات، فأحبطت عدم تجاوب الدولة اللبنانية مع مقترحات الموفد الأميركي، وتتحفز لمطالبة الدولة بتحميل الحزب مسؤولية ما سيواجهه لبنان من تبعات، مقابل أن تمتلك الدولة استراتيجية للعلاقة مع سوريا إزاء المخاطر التي يمكن أن تأتي منها، وكيفية معالجتها والإسراع في ترسيم الحدود بين البلدين، وحل المشاكل العالقة سواء في ما خص الموقوفين أو الإيداعات السورية في المصارف اللبنانية.