فزّاعة سوريا والتلويح بدخولها عبر البقاع

مع ظهور سوريا بحلّتها الجديدة في عهد الرئيس أحمد الشرع، وجد البعض فيها مادة طازجة لرفع منسوب الخطاب التهويليّ، لا لأن دمشق تهدّد، بل لأنّ المحور يتلقّى الضربات. هكذا تُستخدم "الفزّاعة السورية" مجدّداً عبر التهويل بدخول قوات الشرع إلى لبنان عبر البقاع. لعبة باتت مكشوفة لتحويل النقاش وإرباك الرأي العام وخلط الأوراق.

لطالما استخدم محور الممانعة "العدوّ الخارجي" ذريعةً للتغطية على الإخفاقات والخسائر، ومع تسارع وتيرة الأحداث، تحرّكت الماكينات الإعلامية المألوفة لتوجيه الأنظار نحو سوريا. هذا التوجيه الذي لا يخلو من التهويل بدخول وشيك للقوات السورية إلى البقاع، والتحذير من أن البقاع بات هدفاً لسوريا الجديدة، وأنه سيتحوّل فجأةً إلى ممرّ للجحيم. سردية تتكرّر بإلحاح منذ وصول الشرع إلى السلطة، وهي ليست سوى محاولة لذّر الرماد في العيون، وفق توصيف مصدر سياسي متابع يرى في هذه اللغة أداة استباقية لتخويف الجمهور من المجهول بدل مواجهة الواقع.

يُستحضر البقاع مجدّداً خشبة مسرح لهذا التهويل، وهو الذي حمل كلفة التداخل السوري – اللبناني، وذلك عبر تسريبات عن تحرّكات سورية، تحذير من تسلّل وغيرها من الأدوات لإحياء فكرة الخطر السوري، بعد أن شكّلت المجموعات المسلّحة والثوار على مدى سنوات الأزمة السورية فزّاعةً وشمّاعة لا تزال تبعاتها حتى اليوم. فيما الواقع وفق المصدر لـ "نداء الوطن" أن "النظام السوري الجديد منشغلٌ بإعادة ترتيب الداخل السوري، وسط تحدّيات اقتصادية متفاقمة وضعف في القدرة العسكرية في السيطرة على الأطراف، وتصاعد ضغوط دولية لتقليص دور الميليشيات في سوريا".

وأضاف المصدر أن "توجيه البوصلة نحو خطر خارجي مفترض، هو لتفادي الاعتراف بالخسائر وتجنّب الأسئلة الحرجة داخل البيئة الحاضنة، فالقيادة السورية الجديدة تتبنى سياسة "ضبط الحدود لا اجتيازها"، وتسعى إلى تبريد الساحات الإقليمية وليس إشعالها، وخصوصاً بعد تفاهمات غير معلنة مع دول أجنبية وعربية لتحييد الجبهة السورية عن التصعيد".

وفيما لا تنفكّ المنصّات الإعلامية عن تسريب معلومات حول التمهيد لدخول الأراضي اللبنانية عبر خاصرة البقاع الرخوة، يؤكد المصدر وهو على تماس مع أوساط القرار السوري، "أنّ ذلك كلّه لا يمتّ إلى الحقيقة بصلة، بل يصبّ في سياق توظيف سوريا كفزّاعة دائمة لشدّ العصب خصوصاً في البقاع، وما يجري هو سعي واضح لتوجيه البوصلة نحو عدوّ وهميّ بدل الحديث عن اهتزاز الردع الداخلي أو الخارجي كحال إيران اليوم. والأخطر وفق المصدر نفسه هو استخدام التهويل لردع أي تفكير نقدي ضمن البيئة الحاضنة، وكأننا أمام "حظر تفكير" يفرضه الخطر السوري الوهمي".

ويختم المصدر أنه في "منطق الدول، يبنى التهديد على مؤشرات واقعية، لا على خيال سياسي هشّ يُستدعى عند الحاجة، وأن استحضار سوريا اليوم في زمن الشرع لا الأسد، هو فعل دفاعي أكثر مما هو هجوم سياسي. فلا القيادة السورية تفكر باجتياح، ولا الظروف الموضوعية تسمح حتى بمناورة رمزية خارج الحدود، لكن في المقابل يستسهل خطاب "الممانعة" التلويح بالآتي من الشرق كوسيلة للهروب إلى الأمام وتحديداً حين يضيق هامش الردّ، ويشتدّ الحرج بعد كل ضربة إسرائيلية أو اختراق أمني"

إذاً المشكلة لا تكمن في فزّاعة سوريا بحدّ ذاتها، بل في غياب البديل السياسي لدى محور اعتاد تصدير الخوف بدل الاعتراف بالعجز، ومع تغيّر دمشق وتحوّل أولويّاتها نحو الداخل، فإنّ الرهان على بقائها أداة تعبئة في لبنان ليس فقط خاسراً، بل يعكس واقعاً جديداً يزداد انكشافاً يوماً بعد يوم.