قطب مخفية تنتظر الكابيتال كونترول

يعود مشروع قانون الكابيتال كونترول الى اللجان المشتركة مجدداً هذا الثلاثاء بعدما سقط في جلسة عقدت في آذار الماضي وسُحب تالياً من جدول اعمال الجلسة التشريعية لإقراراه، فهل يمر في جلسة اللجان المشتركة المقبلة بعد اقتراب الازمة المالية من عامها الثالث؟

دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري لجان المال والموازنة، الادارة والعدل، والإقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط الى جلسة مشتركة تعقد في العاشرة والنصف من قبل ظهر يوم غد الثلاثاء، وذلك لمتابعة درس مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 9014 الرامي الى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية والسحوبات النقدية. فهل يجد مشروع القانون هذا، الذي يدرس من أكثر من عامين، طريقه الى التنفيذ أخيراً؟ وهل هناك جدوى لإقراره لا سيما بعد تراجع الاحتياطي الالزامي من 30 مليار دولار الى ما بين 8 و10 مليارات دولار؟ وهل التعديلات التي أُدخلت اليه، والتي لا تزال موضع اشكالية، ستُفرغه من مضمونه؟

في هذا الاطار، يؤكد الخبير الاقتصادي والمالي والمصرفي الوزير السابق رائد خوري لـ"الجمهورية" انه ورغم تأخّر لبنان قرابة الثلاث سنوات عن إقرار قانون الكابيتال كونترول لا يزال هذا القانون ضرورياً، وكالعادة فإنّ لبنان يتأخر دائماً سنوات عن السير بالاجراءات التي يجب ان يتخذها رغم أولويتها وأهميتها، فهذا القانون كان يجب إقراره منذ بداية الازمة في المجلس النيابي كما تفعل عادة كل الدول، لأنّ الغاية الاساسية منه هي تجميد الموجودات بالعملات الصعبة الى حين بدء السير بالاجراءات والاصلاحات المطلوبة واقرار خطط التعافي والقوانين اللازمة.

وأوضح خوري ان الهدف من اقرار هذا القانون هو المحافظة على ما تبقّى من عملة صعبة في البلد، لافتاً الى انه صُرِف جزء كبير من هذه الاموال خلال السنوات الثلاث الماضية لا سيما على الدعم، وبطُرق غير منظمة وغير عادلة. وقد أسهَم مجلس النواب بتغاضيه عن إقرار القانون بالسماح بحرية تحريك الاموال داخل لبنان وخارجه، ما دفعَ بعض اصحاب المصارف الى التعاطي بالافضلية مع بعض المودعين، تارةً بحُكم الضرورة وحسن النية كالحالات المرضية او حالات التعليم في الخارج، وطوراً بتحويل بعض اموال النافذين والسياسيين. واعتبرَ ان تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها تجاه هذه الازمة المالية وعدم اتخاذها اي قرار يضع لبنان على خطة التعافي أوصَل البلاد الى ما نحن عليه بعد النزيف الكبير في العملات الصعبة التي كنّا نملكها بداية الازمة، والتي كانت تقدّر بنحو 30 مليار دولار، وقد انخفضت اليوم الى ما بين 8 أو 10 مليارات دولار بالاحتياطي في المصرف المركزي، ومن 8 الى 10 مليارات في البنوك المراسلة الى ما دون الـ 3 مليارات دولار، ومن 50 مليار دولار الى ما دون الـ20 مليار دولار كقروض بالدولار للقطاع المصرفي للقطاع الخاص سُدّدت بالدولار المحلي او الليرة.

ورأى خوري ان الاموال المتبقية يجب المحافظة عليها شرط تنظيم أطر الصرف الخاصة بها ضمن قانون، مضيفاً "انّ اهمية هذا القانون تكمن في كونه يساوي بين كل المودعين فلا يعود للمودع غير المقيم في لبنان او الذي لديه اقامه من دول غربية اولوية بأخذ امواله بسبب قدرته على رفع دعاوى يأخذ بموجبها أمواله من درب المودع الصغير او غير القادر على رفع دعوى، خصوصاً ان العملات الصعبة في لبنان محدودة جدا.

اضف الى ذلك ان اهمية إقرار هذا القانون تأتي كونه مطلوب من صندوق النقد الدولي.

إشكاليات القانون

وعن الاشكاليات التي هي مَحط تجاذب واعتراض ضمن مشروع القانون، يفنّد خوري بعضها:

- بداية في موضوع تركيبة اللجنة المقترحة، فهي كانت تتألف من وزارة المالية وحاكم مصرف لبنان وخبيرين اقتصاديين وقاض من الدرجة 18 وما فوق. أما بعد التعديلات فباتت تتألف من المجلس المركزي في مصرف لبنان، نظراً لما يملكه من معطيات عن حركة السوق والاموال، وقدرته على اصدار التعاميم وتوجيه المصارف، الى جانب خبيرَين اقتصاديين.

ويرى خوري انه لا بد من التوازن بين إعطاء صلاحيات لجهة قادرة على مواكبة التغييرات اليومية والاسبوعية والشهرية للاوضاع الاقتصادية والمالية. لذا لا يمكن للقانون ان يصعّب الامور بحيث كلما تطلّب إجراء تعديل بند فيه يجب العودة الى المجلس النيابي او استحداث قانون جديد لأنّ ذلك سيستغرق وقتاً. فالتوازن مطلوب بحيث لا يجوز اعطاء صلاحيات مطلقة للجنة ولا حرمانها من اي صلاحية بشكل "يُكربج" القانون.

- في ما خَص حق المودعين برفع دعاوى على المصارف مع مفعول رجعي، يقول خوري: انّ اعطاء مفعول رجعي لأي قانون يصدر هو خطوة غير دستورية وغير قانونية.

وتابع: انّ اقرار الكابيتال كونترول يفرض تجميد الدعاوى القضائية القائمة لأن الهدف الاساسي من هذا القانون متى أُقرّ هو المحافظة على تبقى من اموال، فهل يعقل ان يحصل مَن رفع دعوى قضائية على المصرف على امواله ومن لم يفعل لا يحصل على شيء؟ هذا الامر غير عادل ولا يحقق الغاية من اقرار القانون، ليس دفاعاً عن المصارف انما من اجل المساواة بين المودعين.

ورأى خوري في السماح برفع الدعاوى القضائية على المصارف تحديد لكيفية توزيع الخسائر، بحيث ان من يرفع دعوى يربح امواله ويستعيد وديعته، واذا سمح القانون الجديد بإقامة دعاوى على المصارف فهذا يعني توزيع ما تبقى من أموال على رابحي الدعاوى. تابع: نحن نرى ان ليس الهدف من هذا القانون تحديد توزيع الخسائر انما تجميد استعمال الاموال الى ان يتم البت بخطة التعافي.

 

- في ما خَص سقوف السحوبات، يرى خوري انّ ادارة هذا الامر يجب ان تكون مُناطة بالمجلس المركزي بالتنسيق مع المصارف لأنه الجهة المخوّلة تحديد قدرات المصارف على الدفع للمودعين.

 

- اللولار: شدد خوري على ضرورة عدم الغاء اللولار حالياً كما يرد في مشروع القانون، لأنه ورغم انّ اللولار عملة ضعيفة فهو لا يزال سبيلا لتسيير امور المودعين. واعتبر ان إلغاءه راهناً سيجمّد الحركة الاقتصادية أكثر مما هي عليه الآن، مطالباً بمعالجته لاحقاً ضمن قانون خطة التعافي وتوزيع الخسائر.

 

- أما عن طرح لَيلرة الودائع، فيقول خوري: بعيدا عن الشعبوية، انّ الاموال التي لا تزال متوفرة ليست بكبيرة، فقد جرى منذ بدء الازمة تبديد نحو 50 مليار دولار تعود للمودعين. والمؤسف انّ الطبقة السياسية نفسها، التي بَدّدت هذه الاموال من ضمن سياسات الدعم العشوائية، تدّعي اليوم حرصها على قدسية الودائع. وتابع: بعض النواب الذين يدّعون الحرص على المحافظة على اموال المودعين وقدسيتها لم يقرّوا الكابيتال كونترول، كذلك أهملوا اقرار قانون يفرض على من اقترض بالدولار ان يسدد دينه بالفريش دولار وليس تسديده بموجب شيك او ليرة لبنانية ساهمت برفع نسبة خسارة المودع، مقدّراً قيمة هذه القروض بحوالى 50 مليار دولار.

وختم: كل يوم تتأخّر فيه السلطة عن السير بحلّ ستحتاج مقابله الى 10 ايام اضافية لتعويضه.