مع تفشي كوفيد في "الدولة المنيعة".. زعيم كوريا الشمالية أمام "معضلة حقيقية"

خلال أكثر من عقد من الزمان، ومع تبوأه زعامة كوريا الشمالية، جعل كيم جونغ أون "الاعتماد على الذات" محور حكمه، متجنبا المساعدة الدولية وسعى بدلا من ذلك إلى استراتيجيات محلية لإصلاح اقتصاده المنهك.

ولكن نظرا لأن الفيروس الذي يعتقد أنه كوفيد-19 بدأ يصيب مئات الآلاف من شعبه، يقف كيم عند مفترق طرق حرج: إما أن يبتلع كبرياءه ويتلقى مساعدة أجنبية لمحاربة المرض الخطير، أو أن يتعامل مع الأمر بمفرده، ويتحمل وفيات ضخمة محتملة قد تقوض قيادته.

وقال ليم يول تشول، الأستاذ في معهد دراسات الشرق الأقصى بجامعة كيونغنام في سيول، لوكالة أسوشيتد برس: "كيم جونغ أون في مأزق، معضلة كبيرة حقا"، وأوضح "إذا قبل المساعدة الأميركية أو الغربية، فقد يؤدي ذلك إلى زعزعة موقف الاعتماد على الذات الذي حافظ عليه بثبات وقد تضعف ثقة الجمهور به".

ومع ذلك، فإن عدم القيام بأي شيء يمكن أن يكون كارثيا.

ومنذ اعترافها بتفشي كوفيد-19، الأسبوع الماضي ، قالت كوريا الشمالية إن "حمى منتشرة بشكل متفجر" تسببت في مقتل 56 شخصا، وإصابة حوالي 1.5 مليون آخرين. 

ويشتبه المراقبون الخارجيون في أن معظم هذه الحالات كانت بسبب فيروس كورونا.

وبصرف النظر عما تقوله وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة في كوريا الشمالية عن حالات انتشار المرض، فمن المحتمل أن يكون تفشي الفيروس أسوأ بعدة مرات. 

وتفتقر كوريا الشمالية إلى اختبارات كافية لمرض كوفيد-19، ويقول الخبراء لوكالة أسوشيتد برس إن السلطات المحلية تقلل بشكل كبير من عدد الوفيات لتجنب الاضطرابات العامة المحتملة، التي قد تضر بزعيم البلاد سياسيا.

ويرجح بعض المراقبين أن عدد الوفيات المعلن منخفض في بلد به معظم السكان، البالغ عددهم 26 مليون شخص، غير محصنين وهناك نقص في الأدوية.

وقال نام سونغ ووك، الأستاذ في جامعة كوريا للوكالة إن النقص الواضح في الإبلاغ عن الوفيات من جانب كوريا الشمالية يهدف إلى الدفاع عن سلطة كيم، في الوقت الذي يواجه فيه "أول وأكبر أزمة" خلال عقد من حكمه.

وقد يعزى انتشار المرض في كوريا الشمالية إلى استعراض عسكري ضخم في بيونغ يانغ في أواخر أبريل نظمه كيم لعرض أسلحة جديدة وقوات موالية، حيث شارك في العرض عشرات الآلاف من الجنود والسكان من جميع أنحاء البلاد. 

وبعد الاستعراض، أمضى كيم عدة أيام في التقاط عشرات الصور التذكارية الجماعية مع المشاركين في العرض، وجميعهم كانوا بلا كمامات. شارك في معظم الصور عشرات أو مئات الأشخاص.

وتشير الوكالة إلى أن كوريا الشمالية قد تكون قادرة على إخفاء العدد الحقيقي للوفيات علنا، لكن القيود المشددة التي تفرضها الدولة على قواعد الحركة والحجر الصحي يمكن أن تضر بقطاعها الزراعي، حيث يعاني اقتصادها بالفعل من أكثر من عامين من عمليات إغلاق الحدود والقيود الأخرى التي سببها الوباء.

وقال يانغ مو جين، الأستاذ في جامعة سيول للدراسات الكورية الشمالية، لأسوشيتد برس، إن كوريا الشمالية قلقة أيضا من نقص الإمدادات الطبية والغذاء والضروريات اليومية التي جفت في الأسواق أثناء إغلاق الحدود.

وقال يانغ "إنهم يشهدون 'مسيرة شاقة' أخرى"، في إشارة إلى تعبير الدولة الُملطَّف عن مجاعة مدمرة في التسعينيات أودت بحياة مئات الآلاف من الناس.

ورفض كيم سابقا الحصول على ملايين جرعات اللقاحات التي يقدمها برنامج توزيع "كوفاكس" المدعوم من الأمم المتحدة.

وبعد أن اعترفت كوريا الشمالية بتفشي المرض، عرضت كوريا الجنوبية والصين إرسال لقاحات وأدوية وإمدادات طبية أخرى إلى كوريا الشمالية. وقالت الولايات المتحدة إنها تدعم جهود المساعدة الدولية، رغم أنها لا تملك خططا حالية لمشاركة إمدادات اللقاح مع كوريا الشمالية.

وتشير الوكالة إلى أن تلقي المساعدة الخارجية من شأنه أن يضع كوريا الشمالية، ذات الكبرياء الكبير على الرغم من فقرها، في موقف صعب. بالأخص وأن كيم وصف بلاده مرارا وتكرارا بأنها "منيعة" ضد الوباء خلال العامين الماضيين. ومع ذلك، قال يوم السبت إن بلاده تواجه "اضطرابا كبيرا" وأنه يجب على المسؤولين دراسة كيفية قيام الصين، الحليف الرئيسي الوحيد لبلاده، وغيرها تعاملت الدول مع الوباء.

وقال نام للوكالة إن كيم سيرغب على الأرجح في تلقي شحنات المساعدات الصينية في نهاية المطاف، ولكن ليس من كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة أو "كوفاكس".

وقال إن "التغلب على الاضطراب العظيم بمساعدة من تسميهم كوريا الشمالية بالإمبرياليين الأميريكيين، ومن كوريا الجنوبية، لن يتم التسامح معه لأن ذلك يتعارض مع كرامة المرشد الأعلى لها".

وقال المحلل سيو يو سوك في معهد الدراسات الكورية الشمالية، ومقره سيول، إن كوريا الشمالية لن تقبل المساعدة الصينية إلا إذا تم إجراؤها بطريقة غير رسمية وغير معلنة، لأنها "مسألة فخر وطني". 

لكن تشو هان بوم، المحلل في المعهد الكوري للوحدة الوطنية في سيول، قال للوكالة إن كوريا الشمالية قد تتطلع إلى كوريا الجنوبية للحصول على الدعم، لأنها تشكك في فعالية اللقاحات الصينية. وذكر أن الشحنات الكورية الجنوبية عبر الحدود البرية الكورية ستكون أسرع أيضا.