اقتراح البستاني لردّ الودائع... مشروع متقدّم يمضي "متثاقلاً" في المجلس

حجبت التطورات السياسية الأخيرة منذ قرارات الحكومة السير في نزع السلاح، وتكليف الجيش وضع الخطة التنفيذية له، وما واكب ذلك من مواقف وردود، الاهتمام عن الملفات الإصلاحية الداخلية التي من شأنها أن تضع لبنان على سكة تنفيذ التزاماته، ولا سيما أن اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد الدولي اقتربت، وسيكون على السلطات اللبنانية شرح مسار التقدم، الذي على أساسه سيتبلور مصير البرنامج المرتقب مع الصندوق. ولعل أبرز الخطوات التي لا تزال تشكل محور أو جوهر الاهتمام، تكمن في إقرار قانون سد الفجوة المالية، أو ما يعرف باستعادة الانتظام المالي.

حتى الآن، لم تنجز وزارة المال المكلفة هذه المهمّة وضع المشروع، علماً بأن وزير المال ياسين جابر كان قد كشف أن العمل جارٍ بين الحكومة ووزارة المال والمصرف المركزي على إنجاز القانون، علماً بأن الأسابيع القليلة الماضية شهدت شد حبال بين الوزارة والمصرف المركزي حول هذا الموضوع على قاعدة أن الوزارة تتوقع من المصرف المركزي أن يضع المشروع، فيما يعتبر الحاكم أن رأيه استشاري. في المقابل، تردّدت معلومات عن أن ثمة مشروعاً يجري العمل عليه ضمن فريق استشاري ينسّق مع قصر بعبدا، مقابل معلومات عن أن صندوق النقد يساعد بدوره في إعداد المشروع، من أجل التعجيل في إقراره قبل نهاية السنة، وهي المهلة التي يعتبر ممثلو الصندوق أنها ستكون الأخيرة قبل دخول البلاد في مرحلة التحمية والانشغال بالانتخابات النيابية، وبدا أن تخوّف الصندوق في محله، وسيكون عاملاً ضاغطاً في اتجاه تسريع تقديم الحكومة لمشروعات ورمي الكرة في ملعب المجلس النيابي الذي سيكون أمام استحقاق إنجازها وإقرارها قبل أيار المقبل.

وفي انتظار أن تتبلور المواقف الحكومية والنيابية من هذا الموضوع، يواصل النائب فريد البستاني تحرّكه مسوّقاً لاقتراح القانون الذي كان قد قدّمه قبل أشهر تحت مسمّى "حماية الودائع بالعملات الأجنبية العالقة في المصارف العاملة في لبنان وإعادة الانتظام في عمل القطاعين المالي والمصرفي في لبنان" ويرمي من خلاله إلى "إيجاد حل للدولة لإعادة تكوين رأسمال مصرف لبنان ولتحريك العجلة الاقتصادية وضمان حق المودعين بعدم إلغاء واقتطاع أيّ وديعة مصرفية أو الحسم من قيمتها ومنع استبدالها بأسهم"، وفق ما قاله صاحب الاقتراح في مؤتمر صحافي عقده في شباط الماضي للإعلان عنه. وكان البستاني قد تلقى جرعة دعم لاقتراحه من "اتحاد المودعين المغتربين اللبنانيين" الذي أعلن في بيان قبل أيام، وبعد اجتماع عن بعد بين أعضائه والبستاني، "تأييده الكامل للاقتراح والاتفاق على التعاون والتنسيق بين الطرفين للعمل كفريق واحد من أجل استعادة أموال المودعين" وذلك من خلال التواصل مع النواب لتأمين تأييد واسع للمشروع، في ظل تحذير الاتحاد من "أن عدم التوصّل إلى حلّ خلال الأشهر الثلاثة المقبلة سيعرّض الودائع لخطر الشطب الكامل".

وفي استيضاح لمسار الاقتراح في البرلمان، علم أنه وزع على النواب، ولكنه لم يدرج على جدول أعمال لجنة المال والموازنة بعد، وفق ما أفاد مصدر نيابي، وأفاد النواب الذين جرت مراجعتهم بأنهم إما لم يتسلموا الاقتراح بعد أو لم يبدأوا بدرسه في انتظار إحالة الحكومة مشروعها أو عدمها.

ويعتبر الاقتراح أن الودائع بمثابة دين ممتاز ذي امتياز خاص وعلى الحكومة والمؤسسات العامة والخاصة ذات الطابع العام تسديد جميع موجباتها لمصلحة المصرف المركزي نقداً وبعملة الدين بحسب ما يظهرها التدقيق المالي في حساباته لعام ٢٠٢٤ ، بحيث تكون هذه التسديدات أحد مصادر السيولة السنوية لإعادة تكوين سيولة الودائع في خطة التعافي الاقتصادي والمالي والضريبي التي يُفترض بالحكومة تقديمها في مهلة ستة أشهر من تاريخ صدور القانون على ألا تتعارض بنودها مع بنوده. ويقترح المشروع أن تأتي الدفعات للمودعين متساوية على مدى ٦ سنوات بنسبة ١٠ في المئة أول سنتين ثم ١٥ في المئة للسنتين اللاحقتين فـ٢٥ في المئة للسنتين الرابعة والخامسة مع إمكانية تسديد كحد أقصى ثلث مجموع الدفعات الشهرية لكل سنة بالعملة اللبنانية على سعر صرف السوق بتاريخه، على أن يُعتبر المصرف أو المؤسسة المالية الممتنعة عن تنفيذ القانون متوقفاً حكماً عن الدفع.

ويشرح الاقتراح آليات إعادة تكوين رأسمال المركزي، والإجراءات التي يمكن الاعتماد عليها من أجل تأمين السيولة، وذلك عبر مقاربة جديدة ترتكز على توزيع المسؤوليات بين الدولة والمركزي والمصارف، وهو الأمر الذي كان ولا يزال يشكل جوهر المشكلة والرفض من قبل المصارف في الدرجة الأولى التي لا ترى أن لها أيّ مسؤولية. ثم إن مقاربته تختلف عن المقاربات السابقة لجهة عدم فصله بين ودائع ما قبل الأزمة وما بعدها أو بالليرة أو بالدولار ويعيد الاعتبار للولار، أي الدولار المحجوز في المصرف ليجعلها عملة قابلة للتداول (…).