الأردن والنظام السوري.. لماذا وصلت العلاقة إلى حد التراشق الدبلوماسي؟

رغم أن العلاقة ومسار التنسيق بين الأردن والنظام السوري بشأن كبح تهريب المخدرات لم تأت بأية نتيجة فعلية على الأرض، فإنه لم يكن متوقعا أن تصل الأمور إلى حد التراشق الدبلوماسي العلني، كما حصل خلال الساعات الماضية.

وأشار مراقبون، وهم من عمّان ودمشق، إلى جملة من الأسباب والسياقات التي دفعت كلا الطرفين إلى إصدار بيانات تصعيدية، كان اللافت فيها توجيه الاتهامات و"فتح دفاتر الماضي"، مع إبقاء الباب مفتوحا أمام أي تنسيق جديد.

وأعربت وزارة الخارجية بالنظام السوري، في بيان نشرته الثلاثاء، عن "الأسف الشديد" بشأن الضربات الجوية التي ينفذها الجيش الأردني في جنوب سوريا، مؤكدة أنه "لا مبرر لمثل هذه العمليات داخل الأراضي السورية".

وبينما قالت إن الأردن "لم يستجب أو يرد على رسائل تتعلق بضرورة اتخاذ خطوات عملية لضبط الحدود"، أضافت أن "سوريا عانت في 2011 من عبور آلاف الإرهابيين من أراضيه".

ولم يتأخر الرد الأردني، حيث نشرت وزارة الخارجية في عمّان بيانا قالت فيه إن "الحكومة السورية لم تتخذ أي إجراء حقيقي لتحييد خطر تهريب المخدرات"، وإن هذه المشكلة "خطر يهدد الأمن الوطني".

وبعدما رفضت "أي إيحاءات بأن الحدود الأردنية كانت يوما مصدرا لتهديد أمن سوريا أو معبرا للإرهابيين"، قالت إن "الأردن سيستمر في التصدي لخطر تهريب المخدرات والسلاح وكل من يقف وراءه".

ما أسباب التراشق؟

ويعطي التراشق الدبلوماسي الحاصل بين الطرفين مؤشرا عن انقطاع التواصل، خلافا لما كانت عليه الحالة قبل أشهر، إن كان على مستوى اللقاءات السياسية أو العسكرية والأمنية.

ورغم أن صورة بيان خارجية النظام السوري العامة مرتبطة بالقصف الأخير على ريف السويداء والضحايا المدنيين الـ10، يشير عضو مجلس النواب الأردني، عمر عياصرة، إلى أسباب متعلقة بسياق آخر.

عياصرة أوضح لموقع "الحرة" أن "البيانين يحملان نوعا من التراشق الدبلوماسي"، رغم أن "كليهما حافظ على باب موارب أمام أي نوع من التعاون".

وبتقديره، فإن "النظام السوري يلتمس ضررا من أن يعيد الأردن إنتاج علاقته مع القوى المحلية في السويداء وفي جنوب سوريا في الوقت الحالي".

وعلى أساس ذلك، أضاف عضو مجلس النواب الأردني، أن السبب المذكور "هو المبرر الأساسي لإطلاق البيان التصعيدي، وليس القصف".

وكانت حركة "رجال الكرامة" في محافظة السويداء، وهي أكبر فصيل عسكري هناك، قد أبدت قبل أيام استعدادها للدخول بعمليات تنسيق مع الجيش الأردني، في سياق مكافحة عمليات التهريب عبر الحدود.

وبينما كشفت القوات المعارضة للنظام والمتواجدة في منطقة التنف الحدودية (جيش سوريا الحرة) عن "عمليات تنسيق بدأت بالفعل"، تواردت أنباء، الثلاثاء، عن إطلاق مجموعات محلية في محافظة درعا، حملات استهدفت عددا من تجار ومروجي المخدرات.

ونادرا ما يعلّق الأردن على مثل هذه التطورات على الطرف الآخر من الحدود، لكن الكثير من الأصوات خرجت من عمّان خلال الأيام الماضية.

وأعادت هذه الأصوات التذكير بضرورة تطبيق "استراتيجية الوسادات العسكرية"، التي اتبعت بشكل غير رسمي في 2011.

وتعتمد هذه الاستراتيجية على "الدفاع الفعال الذي يتمثل في الهجوم على مكامن الخطر أينما تواجدت، وإنهاكها وإضعافها قبل أن تقوى وتصل إلينا"، حسب ما أوضح مقال تحليلي سابق على وكالة "عمون" الأردنية.

ما الأصداء في دمشق؟

ولم تقتصر لغة التصعيد من سوريا على بيان وزارة خارجية النظام، بل انعكست أيضا على وسائل الإعلام المقربة من الأخير، وأبرزها صحيفة "الوطن" شبه الرسمية.

الصحيفة نشرت مقالا في عددها الصادر الأربعاء، بقلم "المحرر السياسي"، ووجهت فيه سلسلة انتقادات واتهامات لعمّان، من بينها "إدخال إرهابيين (لسوريا) عام 2011".

وبينما اعتبرت التهديدات الأردنية بأنها "ليست ذات قيمة ولا معنى"، اعتبرت أن مشكلة المخدرات "لا تتعلق بسوريا فحسب، إذ أن هناك تجار داخل الحدود الأردنية".

ورأى الباحث السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري، أن العلاقة بين سوريا والأردن الآن باتت "متوترة وغير صحية"، وهو ما يمكن التماسه من البيانين الصادرين.

وعن الأسباب، قال الأصفري لموقع "الحرة"، إن "الأردن محكوم بالعلاقة مع أميركا وبريطانيا، ويحاول أن يصبح رأس حربة واشنطن في جنوب سوريا"، معتبرا أن "هناك أجندات غريبة ومشبوهة، قد يكون لعمّان ضلوع فيها".

وكانت عمّان قد رمت خلال الأشهر الماضية الكرة في "الملعب السوري"، وفق عضو مجلس النواب الأردني عياصرة.

وباتت الآن متأكدة، حسب المتحدث، من "عدم قدرة النظام على تقديم أي شيء في موضوع المخدرات، لأن الملف يتعلق بسلوكه تجاه كل المنطقة".

وستكون خيارات المملكة في المرحلة المقبلة والمتعلقة بالحدود "متنوعة"، حسب ذات المتحدث.

وأوضح أنها ستتمثل بـ"إبقاء القناة الدبلوماسية مع دمشق مفتوحة، والحفاظ على قواعد الاشتباك الصارمة، إضافة إلى التنسيق مع الولايات المتحدة على الحدود".

وفي حين أن الضربات ستبقى، فإنها "قد تتوقف إذا وجدت الدولة خيارات بديلة عنها"، وفق عياصرة الذي أضاف: "المجتمع المحلي في السويداء ودرعا انفتح على الأردن، والأخير سيعيد إنتاج علاقته مع الوسادات في سوريا"، دون أن يكون ذلك معلنا بل "تحت الطاولة".

"4 أبعاد وخطأ"

ودائما ما تحمّل عمّان مسؤولية عمليات التهريب لميليشيات "تدعمها قوى إقليمية"، في إشارة مبطنة إلى إيران. وتقول في المقابل إن حالة التصاعد ترتبط بضعف السلطة في سوريا، وبغطاء توفره أطراف داخل "الجيش السوري".

عامر السبايلة، وهو أستاذ جامعي ومحلل جيوسياسي أردني، رأى أن هناك عدة معطيات يجب أخذها بالاعتبار لتقييم العلاقة الأردنية الحالية مع النظام السوري.

أولى هذه الاعتبارات، أن النظام "غير قادر على ضبط ما يريده الأردن، وهو عمليات تهريب المخدرات". والثاني أن "هذه العمليات باتت تأخذ منحى خطير، ووصلت إلى حد تهريب السلاح النوعي والمتفجرات والإرهابيين".

وأوضح السبايلة لموقع "الحرة"، أن مسرح البعد الثالث هو "المنطقة الشمالية والشرقية على طول الحدود بين الأردن وسوريا، حيث باتت تخضع للتأثير الإيراني أكثر من السوري، ومرشحة للتصعيد".

وأشار من زاوية رابعة، إلى المطالب التي بدأت جهات سورية بتوجيهها إلى الأردن، من أجل فتح خطوط تواصل، في تطور "يهدد فكرة بقاء النظام السياسي".

وأضاف: "اتجاه جهات محلية في جنوب سوريا إلى الحديث عن معابر وتنسيق على طول الحدود، يثير غضب النظام السوري، رغم أن الأردن لم يأخذ بأي صوت قادم من هناك حتى الآن".

وما سبق "سيجبر النظام على أن يكون أداءه أفضل، لا سيما أنه يتحسس من هذه المسألة بشكل كبير"، وفق عضو مجلس النواب.

من جانبه، لا يعتقد المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف، أن "العلاقات الأردنية السورية وصلت إلى حد القطيعة"، ويقول إن "البلدين بحاجة إلى بعضهما البعض".

يوسف رفض فكرة أن "النظام السوري هو الذي يتحمل مسؤولية التهريب في جنوب سوريا"، وأضاف أن "هناك أطرافا داخل الأردن ضالعة في الأمر، وعلى السلطات هناك ملاحقتها".

كما أعرب عن اعتقاده بأن "الأردن في حال اتجه للتنسيق أو التعامل مع مجموعات محلية في جنوب سوريا، سيكون ارتكب خطأ كبيرا، قد يدفع الدولة السورية لدعم جماعات أيضا، مما يؤجج الوضع".

وبدوره، اعتبر الباحث الأردني السبايلة، أن "التصعيد الكلامي لن يفيد أي طرف في هذه المرحلة".

وقال إن "الأردن معني بالحفاظ على أمنه القومي وبالتالي سيأخذ إجراءاته"، وإنه "يجب على الجانب السوري أن يشعر بأن عمّان كانت عاملا مساعدا لعودته للجامعة العربية".